عبد الخالق كيطان ليست هنالك من وصفة جاهزة لكي تتحول المجتمعات إلى مجتمعات ديمقراطية. كان مثل هذا المأخذ أكبر الأسئلة التي واجهت الحملة الأميركية للإطاحة بنظام صدام. قادة عرب بارزون تحدّثوا آنذاك عن أهمية أن "تنبع الديمقراطية من المجتمع نفسه وليس بالفرض الخارجي"، وكانت ثمة إجابات عراقية تقول بضرورة التخلّص أولاً من الديكتاتورية، وقبل كل شيء، ومن بعد ذلك التفكير بـ"النمط الديمقراطي" المناسب لنا.
آخرون في بلدان بعيدة كانوا ينظّرون عن إمكانية تطبيق الديمقراطية وفق المعايير الغربية المعروفة على مجتمع ينتمي إلى ما يسمى بـ"العالم الثالث" مثل المجتمع العراقي. وفي كلّ الأحوال فإن التجربة العراقية ستظلّ ميدان بحث واستنتاج لزمن طويل قادم.يعاد السجال ذاته اليوم مع ربيع الثورات العربية. التدخل الأجنبي في حالة ليبيا. الحصار الدولي في حالة سوريا. الدعم المعنوي الخارجي في حالة تونس، والدعم الإعلامي والدبلوماسي الخارجي أيضاً في حالة مصر واليمن. في كلّ هذه الحالات سقطت الأنظمة، فعلياً في حالات مصر وتونس وليبيا، ونظرياً في حالات اليمن وسوريا. السؤال المستخلص من هذه التجارب هو ذات السؤال الذي واجهناه ونواجهه عراقياً: هل نحن مجتمعات مؤهّلة عملياً للانتقال من نظمنا الاستبدادية إلى نظم ديمقراطية معاصرة؟في حالة العراق كانت هنالك دعوات مستمرة إلى "خلق" ما يسمى بـ"المستبد العادل". والسبب في مثل هذه الدعوات هو حال الانفلات الأمني الذي رافق تجربة الانتقال إلى تجربة ما بعد التغيير، ناهيك عن كثرة الأحزاب الإسلامية التي لا تدعو برامجها إلى التطبيق الديمقراطي في السلطة بل العكس من ذلك. هذه الأحزاب هي التي أمسكت بالسلطة في الأخير. وبالرغم من كلّ الشعارات والتصريحات والخطابات التي تفيد بأنها ماضية على طريق الإفادة من النظام الديمقراطي في إدارة الدولة إلا أن الوقائع على الأرض تثبت عكس ذلك. ما يمكن الوثوق به اليوم هو أن تجربتنا مع الانتقال إلى النظام الديمقراطي كانت، وما تزال، صعبة ومشوبة بالمشاكل. نسمع ونقرأ تصريحات من داخل الأحزاب التي تتقاسم السلطة عن تفرد واستبداد وبوادر لعودة الديكتاتورية وتهميش وإقصاء ونفي... إلخ.. هذه الأحاديث لها مغزى واحد: إن المجتمع العراقي، ونخبه تمثّل الواجهة، لم تصل بعد إلى فهم عميق وقارّ للنظام الديمقراطي كأسلوب حياة أو أسلوب حكم على حدّ سواء.كثيرون في العراق يقدّرون أن المسألة الديمقراطية تنحصر في الممارسة الانتخابية. وبالرغم من أهمية هذه الممارسة في حدّ ذاتها إلا أنها، وللأسف الشديد، لا تكفي للقول أن الدولة الفلانية ديمقراطية. إنّ أهمّ ما يمكن فعله لكي ينتقل مجتمع ما إلى التجربة الديمقراطية يتمثل في اعتبار الانتخابات جزءاً من كلّ، وربما أقسى من ذلك. ومن مصلحة الأحزاب والمجموعات والكتل السياسية التي تمسك بالسلطة اليوم أن تسرّب إلى الجمهور قولاً مفاده: نحن نعيش بالفعل في العصر الديمقراطي بدلالة ممارستنا المستمرة الحق الانتخابي. فمثل هذه الجمل التقريرية سهلة التصديق بالنسبة لقطاعات واسعة من أبناء الشعب. على أن واجب النخب المتنورة والمثقفة يتمثل في تبيان خطل مثل هذا الرأي. وتفنيده ليس بالأمر اليسير إذا ما تذكّرنا أن صدام حسين كان يفوز بنسب مرتفعة جداً في انتخابات تشارك فيها الملايين، ناهيك عن تمثيليات المجلس الوطني المعروفة. واجب النخب المتعلّمة والمتنوّرة في العراق اليوم في أن تتصدّى بإخلاص لمهمة تنوير الناس. وهذه المهمة هي أمّ المهام في ظرف ملتبس مثل الظرف الذي نعيشه اليوم.
عين :على طريق المجتمع الديمقراطي
نشر في: 27 سبتمبر, 2011: 09:15 م