هاشم العقابي جمعتني قبل شهرين ليلة بالشاعر حسام السراي بالقاهرة، أول سؤال سألته: شلونها بغداد؟ سؤال أعرف ان جوابه يحزنني. أو، في الحقيقة، انا اعرف كيف حالها ولو عن بعد. لكن الحنين مرض يدفعك الى ان تسأل عمن تحب فلعلك تسمع خبرا عنه يريحك ولو للحظات. لكن ما قاله حسام لم يزد قلبي الا حسرة وحرقة.
حسام الشاعر المفعم بحماسة الشباب والغارق في هم الشعر، حدثني بتفاصيل كثيرة عن بغداد التي فارقتها ولم تفارقني. بدأ حديثه عن الشوارع والبارات والظلمة والخوف والتظاهرات. ثم عن كيفية اعتقاله وتعذيبه يوم القي القبض عليه واصحابه بعد تظاهرة 25 شباط. وانتقل الحديث الى مشكلة الصبات الكونكريتية والطسات والغبار والسيطرات التي شوهت بغداد وانهكتها. معظم ما قاله كنت قد سمعت بعضه أو شاهدته أو احسسته. لكن ما رواه عما حدث له في واحدة من السيطرات استوقفني وصار محور حديثنا لتلك الليلة. يقول بانه كان ذات يوم متوجها الى مكان ما بالسيارة فاستوقفته واحدة من نقاط السيطرة. امر عادي فالكل عرضة لمثل هذا الاجراء. تقدم نحوه شرطي وصار يحقق معه. اسئلة غريبة انكرها صاحبنا واستغربها. وبعد سينات وجيمات كشف الشرطي "الامين" عما يضمره فسأل حسام سؤالا مباشرا: "انت اكيد متواعد، مو بالله؟". رد صاحبنا: ماذا تقصد؟ الجواب:" مع وحدة". اجاب حسام بالنفي ساخرا من تفكير السائل. رد الشرطي: "معقولة هالاناقة والشباب وما عندك وحدة؟". المهم هو ان صاحبنا نجح في تسخيف السائل الذي غير نبرته فصارت اقرب الى التوسل فافصح عن بيت قصيده: "ممكن تعلمني احسن طريقة "أحصل" بيها بنات بغداد؟"ذكرني ما قاله حسام بأحد السادة التقيته بلندن بعد ان اصبح ذا منصب بالسلطة الجديدة. عرفت انه تزوج من امرأتين. اعلن عن رغبته بالزواج ويعتزم ان تكون بغدادية. لماذا؟ أجاب بصريح العبارة: "عاجبني اضوك بغدادية". يا سلام. كأن البغدادية في تفكيره صحن قيمة أو فسنجون.هذه هي عقدة هؤلاء الذين يفترض بهم ان يحموا بغداد من الموت والمفخخات وان يعيدوا لها وجهها المتحضر. فما يشغلهم هو بناتها وليس حمايتها أو تطويرها. وقد يكون هو سبب نقمتهم عليها ايضا. تفكير وسخ كهذا نجده في عقول عساكر الغزاة والمحتلين وليس عند شرطة أو جيش وطني. انهم حقا غزاة. لا باسلحتهم فقط، بل وبروحيتهم المتخلفة التي توارثوها من البداوة والريف والسراديب. وهؤلاء الذين ترتجف "شواربهم" هلعا من الارهابيين والمفسدين، شاء حظ بغداد العاثر ان تقع بايديهم فظلموها وظلّموها. ولان قلوبهم سود مثل عقولهم، تصوروا ان بنات بغداد بملابسهن العصرية الانيقة وشعورهن المنثورة وعيونهن المكحلة هدف سهل لاشباع غرائزهم المكبوتة. وهكذا هو المتخلف دائما لا يرى التمدن الا خلاعة وانحلالا. رعاك الرب يا بغداد وحفظ بناتك منهم.
سلاما ياعراق :بنات بغداد
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 27 سبتمبر, 2011: 09:20 م