TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > وداعاً أيها الطائرالأزرق العينين

وداعاً أيها الطائرالأزرق العينين

نشر في: 26 سبتمبر, 2009: 02:09 ص

محمد علوان جبر في اواسط عام 1973 شددت الرحال الى لبنان. وكنت لااحمل سوى عقل وعقد شاب يتوهم انه متعدد المواهب وحقيبة صغيرة وعدة لوحات زيتية باحجام متفاوتة مهداة من اصدقاء لي ، وقد لففت اللوحات على شكل اسطوانة قماشية مربوطة بخيط، سلكت بنا السيارة الكبيرة - النيرن – الطريق البري الذي يربط بغداد بدمشق ، حال وصولنا دمشق فرضت علينا الحكومة السورية ان نأخذ موافقة دائرة الامن حتى يتسنى لنا دخول الاراضي اللبنانية ، وكان هذا يعني البقاء ليوم او يومين في دمشق ، امتثلت حالي حال الالاف من السياح العراقيين فحجزت في احد الفنادق ..
وجدت نفسي اتسكع في شوارع دمشق .. دمشق التي طالما خاطبها الماغوط .. حاورها .. وشاكسها .. وبكى عليها ، قادتني خطاي الى مكتبة كبيرة ، وسألت عن عناوين كثيرة لم اكن اراها في بغداد .. اكتفيت بتصفحها لاني كنت لااريد ان اغامر بالمبلغ البسيط الذي املكه ، لكني وبعد حديث ودي مع صاح? المكتبة اخبرته اني معجب بالحركة الادبية والفنية السورية وخاصة الشاعر محمد الماغوط ، فقال لي ان الماغوط من رواد مكتبتي وحينما سألته عن عنوانه اجابني بسرعة - تجده في شارع بغداد .. مقهى هافانا- وهل شارع بغداد بعيد من هنا ؟rnاشار صاحب المكتبة الى اتجاه .. وقبل ان اخرج قال لي:rn-حالما تصل اليه ، قل له يسلم عليك (.....) نسيت الاسم. شكرته كثيرا، ومضيت نحو شارع بغداد ، كان الوقت عصرا ، وحالما سألت عن مقهى هافانا وجدت نفسي امامها . حزمت امري على اللقاء بالماغوط اسطورتي المحبوبة وكنت اردد مايخطر ببالي من شعره ، وانا اتذكر كلمات صاحب المكتبة ان عنوانه في مقهى هافانا ، واردد قصيدته التي يخاطب بها البحارة والصيادين والتعساء ليرسلوا له احزانهم وهمومهم ( الى عنواني.... في اى مقهى.. في اى شارع).rnكان اللغط شديدا في المقهى ، اقتربت من النادل المشغول وسألته عن محمد الماغوط ، اشار الى ركن بعيد ومضى وهو يحمل الطلبات، كانت مائدة خشبية تحلق حولها اربعة رجال .. لم اكن قد رأيت أية صورة للماغوط.. لكني اتذكر احدى قصائده التي يصف فيها نفسه (ايها الطائر الازرق العينين) حالما اقتربت من المائدة لاحت نظرة من احدهم .. تأكدت انه الماغوط .. رجل وسيم يميل الى الشقرة وعيناه ملونتان مع اناقة بسيطة وحضور يليقان برجل اسمه محمد الماغوط، سلمت عليه وكأني اعرفه وقدمت له نفسي، تقديما ممتلئا بكل عقد النرسيسية المهيمن? بقوة على كلمات شاب في الثالثة والعشرين: شاعر و رسام و قاص من العراق!rnحدق في وجهي وابتسم وهو يصافحني بحرارة وسحب كرسيا من المائدة المجاورة .. وبلا ادنى مقدمات دخلنا في مواضيع ثقافية وجمالية .. عن العراق وبغداد .. وهيمنة الخطاب السبعيني المهم ومجلة الكلمة وجدارية جواد سليم والسياب واخبرته ان قصائده تتسرب الى الشارع الثقافي العراقي كالمنشورات السرية وان اغلب قصائده يحفظها الشباب المثقف العراقي ... ولكي يصدق قرأت له بعض المطالع من قصائده .. لاحظت انه فرح كثيرا بحديثي اشار ناحية مجموعة من اللوحات القماشية المطوية على شكل اسطوانة ركنتها على احد الكراسي وقال:rn-هل هي بندقية ضحكنا كثيرا وقلت له انها مدفع فني!rn-هل هي من اعمالك ؟rnاجبته بفخر - البعض منها .. علما ان اسطوانة القماش كانت تحوي سبع لوحات زيتية كبيرة الحجم منها – ثلاث لوحات للفنان – عباس باني - ولوحتان بحجم كبير للفنان - قاسم الساعدي - ولوحة واحدة للفنان كاظم الخليفة ... وشيء اخر يشبه اللوحة كان من اعمالي، حينها لمحت رغبة حقيقية في عينيه وفضول ليطلع عليها ، وفعلا طلب ان يراها … وكم سررت ، حينما اشار الى مائدة مجاورة كانت فارغة وفرشنا اللوحات عليها ، وكنت اردد، ( على شرط ان تختار لك لوحة تعتبرها هدية )، لفتت حركة فتح اللوحات على المائدة انتباه الرواد، فك?ن ذلك موعد قدري لاقامة معرض عاقي في مقهى دمشقي.. معرضا ضم سبع لوحات تداولها الرواد وكانت محط اعجاب الكثير.. كنت مرتبكا ومأخوذا، اقترب منا بعض المهتمين بالفن التشكيلي وبدأت تعليقات بعض الفنانين حول اللوحات ، ملاحظات متفاوتة بين اعجاب وبين صمت من دون تعليق ، وقد تم التقاط صور لي وللوحات .. كانت الغلبة لتعليقات الاعجاب ، حينها احسست اني اقمت معرضا عراقيا وسط مقهى هافانا .. بلا موعد .. وبلا كارتات دعوة وبلا ادنى اعداد ، وشعرت بالفخر حينما كانت اللوحات تنتقل بين الطاولات . كان معرضا ناجحا لفنانين عراق?ين اثار الكثير من اللغط والتعليقات ، وبعد ان اعيدت اللوحات الى مكانها ، لم تكن هذه المفاجأة الوحيدة ، بل تبعتها مفاجأة اخرى داعبت اعماق نرسيسيتي ، اذ وبناءا على الحاحي ورغبتي ان يختار احدى اللوحات ويعتبرها هدية ، كانت المفاجأة ان لوحات قاسم الساعدي وكاظم الخليفة وعباس باني امامه فلم يختر الا اللوحة التي رسمتها انا ، وحينما قلت له هل تجاملني، اكد باصرار انه لم يجامل احدا في حياته خاصة فيما يتعلق الامر بالابداع .rn- فهذه لوحة جميلة .... ومرسومة بحس مرهف ... - قالها ثم اضاف :rn- وبهذه المناسبة اود ان احتفل معك ... ان اقيم لك احتفالا. حينها سألني عن مكان اقامتي ، اخبرته اني حجزت في فندق ليوم او يومين ريثما تنتهي اجراءات السفر الى بيروت.. فقال حسنا ، فلنحتفل في بيتي .. شكرته، قال فلنخرج، كان يحمل لوحتي بيده، بعد ان طواها، وانا كنت احمل لوحات اصدقائي مطوية تحت ابطي . خرجنا من المقهى وسرنا في شارع بغداد ، توقف عند محل نجارة ، سلم اللوحة الى النجار طالبا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram