ليث عبد الكريم الربيعي تهتم السينما كثيرا باستكشاف واستشراف العلوم الأخرى ومستحدثاتها، في مسعى منها لفتح الآفاق نحو كل جديد ومستغرب، فضلا عما تقدمه للبشرية من خدمات جليلة في معرفة الغرائب وإلقاء الضوء عليها، وقد أخذت ظاهرة الاستنساخ البشري حيزا لا باس به من الاهتمام كونها تعد طفرة كبيرة في التقدم العلمي والتقني لبني البشر، على الرغم من غموض هذه الظاهرة وقصور المعلومات عنها، إلا أن السينما حاولت إلقاء بعض التصورات عليها، فضلا عن المشاكل المستقبلية التي يمكن أن تنجم عنها.
وهذا ما نلاحظه واضحا في الفيلم (الهنغاري، الألماني، الفرنسي) المشترك (الرحم Womb: 2010) والذي يبدأ بمشهد لامرأة حبلى (إيفا غرين) وهي تتحدث إلى جنينها وتخبره بأنّ أبَّاه غادرَ للأبد، لكنها سَتبْدأ حياة جديدة معه. ثم ينطلق الفيلم ليقدم لنا قصّة حبِّ بين طفلين (ريبيكا وتومي) اللذين يُقسمانِ لبعضهما بالحبّ الأبدي. إلا أنهما ينفصلان عندما تغادرُ (ريبيكا) فجأة إلى اليابان مَع والدتها. وبعد اثني عشر عاماً تعود (ريبيكا) كشابّة للبحث عن تومي (مات سميث)، إلا انه لا يَتذكّرَها في البداية. ويبدأ الاثنان علاقة جديدة.(تومي) ناشط ضدّ شركاتِ التكنولوجيا الحيويةَ، التي تخطّطُ لفَتْح حديقة طبيعية للحيواناتِ الصناعية التي خَلقتْ بالاستنساخ. ويخطط (تومي) لإفساد حفل الافتتاح عن طريق نشر كمية من الصراصر، وتصر (ريبيكا) على مرافقته لمواقعِ الشركاتِ الجديدةِ للموارد الطبيعيةِ.أثناء قيادته السيارة إلى موقعِ الحديقة الطبيعيِة الجديدِ، تطلب (ريبيكا) مِنْه إيقاْف السيارةِ كي تقضي حاجتها، وبينما (ريبيكا) تَبْحثُ عن مكان لذلك، تصدم شاحنة سيارة (تومي) وترديه قْتَيلا.تحاول (ريبيكا) استثمار التطور العلميِ الجديدِ لجلب نسخَة من (تومي) ،وبذلك تعيدُه إلى الحياةِ. وتوافق عائلة (تومي) على إعطائها سائل (تومي) لتلقح به، وتحبل وتَلِدُ بعملية قيصرية طفلا شبيها بـ (تومي) الأب وتطلق عليه اسم (تومي). (تومي) الجديد وأصدقاؤه لا يُريدونَ اللِعْب مَع إحدى البنات المعروفة أنها "منُسوخة". وتبلغ الأمهات في الحيَّ (ريبيكا) أَنْ لا تَتْركَ ابنها يَرتبطُ بالفتاة. ويدب الذعر إلى قلب (ريبيكا) ،لكي لا يعْزل ابنها. في نهاية المطاف تنتشر الشائعات عن (تومي)، ويضطر للاحتفال بعيدِ ميلاده وحده مَع والدته، بعدما تمنع العائلات ابناءها من الاختلاط به.تَنتقلُ (ريبيكا) إلى مكان آخر بعيدا عن القرية. الأمر الذي يثير (تومي) ويكثر أسئلته عن نفسه وأبيه.بعد سنوات، يكبر (تومي) ويأخذ شكل وأسلوب والده و(ريبيكا) لا تزالَ شابّة. وعندما يجلب (تومي) صديقته إلى البيت للبَقاء مَعه تتصرف (ريبيكا) بغيرة، ما يحير (تومي) وصديقته. ويبرز تَوَتّراً جنسياً بينه وبينها. في هذه الأثناء تصل أمّ (تومي) الحقيقية بشكل مفاجئ ويُحدّقَ بها ويَشْعرُ بأنّه يَعْرفُها، وتمنعه (ريبيكا) من التعرف إليها فيُهاجمُ (تومي) (ريبيكا) ويَطْلبُ منها الإجابة عن أسئلته بغضب، فتضطر إلى إعطائه حاسوبا قديمَا يعثر فيه على صورَه مَع المرأة العجوزِ ومَع أبيه. ويمارس مع (ريبيكا) الحب للمرة الأولى. في الصباح يَحْزمُ (تومي) أشياءه وأوراقَه ويغادر- (ريبيكا) الحبلى في المشهدِ الأولَ تَحْملُ طفلَ (تومي).أخرج الفيلم الهنغاري (بنيديك فليجاوف) مقدم سابقا (التاجر: 2003) و(طريق الحليب: 2007) والحائز عنه جائزة النمر الذهبي في مهرجان لوكارنو، ويعتمد فليجاوف في فيلمه (الرحم) على آلية سردية تزاوج بين السرد الدائري والتتابع، فضلا عن إيقاعه المتوازن في تقديم أحداثه المختزلة والمتراصة ،وهذا ناجم عن السيناريو المحبوك جيدا والذي اشترك في كتابته مع (إليزابيث زاز) وينم عن اهتمام بالغ في عملية خلق الحدث وتطوره مع إضفاء شيء من الغرائبية في طبيعة القصة وفتح الباب مشرعا أمام التأويل، إذ يأخذ الفيلم بالتنامي تدريجيا والعلاقات تتضح كلما مر وقت الفيلم، وفضلا عن كل ذلك فقد قدمت النجمة (ايفا غرين) أداء رائعا يرقى إلى ما قدمته في فيلم بيرناردو بيرتولوتشي البارز (الحالمون:1998)، وقد أضفت بهدوئها واتزانها أبعادا كبيرة على شخصية (ريبيكا).. وعلى الرغم من موضوعة الفيلم المهمة إلا انه لم ينل حظه في النقد والتقييم، وقد عرض بانزواء في مهرجان لندن السينمائي العام المنصرم.
(الرحم).. نظرة إلى الاستنساخ البشري
نشر في: 28 سبتمبر, 2011: 07:47 م