علوان السلمانفي الابداع والمبدعين يقول ارسطو: (ان الممتازين من الرجال في الفلسفة او السياسة او الشعر او الفن كلهم من ذوي المزاج المكتئب او الجنون الساكن) اما افلاطون فيرى ان الفنان او الشاعر كائناً من كان اثيري دائما يحب التمرد.. يريد ان يثير قضايا.. يغير وجود الاشياء.. واحيانا لا يهمه ان يلغي او يدمر العلم اذا اصطدم مع كيانه وذاته). فالشاعر يكتب الشعر لان وجوده الذي يشعر به.. من خلال شفافيته وبث شعاعه من روحه المحترقة.. فينصهر تحت جعبته كل شيء.. لانه وجود.. بل وجود الوجود للاشياء والقيم والاخلاق..
لانه مرآة الحب وعشق الحياة المتواصل لدخول كل الاشياء تحت ظلاله فهو رئة العالم ومتنفسه.. لذا فالشعر لا يحدد بمفهوم ولا يوصف بوصف.. لكننا نقول ان الشعر الجيد هو الذي يهدف الى تحقيق الجدلية بين الاشياء والانسان.. والذي ينتزع الكلمة من مكانها ويملؤها حركة ونموا عضويا مع كل انتقالة شعرية يجعل فيها المساحة تبتعد او تقترب من الاشياء.. وبالتالي يغير زوايا الرؤية للقارئ والمتلقي.. فالمفردات صور ساكنة.. والصور هي حركة المفردات كما يقول (بلند الحيدري)..rnفالشعر يوحي ببداية الوجود ـ ومن هنا يستمد قوته وديمومته.. فهو زمن ما قبل العالم.. انه يتحدث دائما عن زمن قادم.. لذا فان اجمل القصائد ما زالت غائبة لم تكتب بعد.. فالشعر بالنسبة للشاعر شيء في جوهره ووجوده اذا فقده يشعر انه في منزلق صخري يعيش دوامة الضياع.. ولكي يعيش الشعراء ويبدعوا عليهم ان يجعلوا القصيدة تنساب كيفما تشاء مختارة قالبها الذي تريد.. فلحظة الابداع هي لحظة الاصطدام مع الآخرين فكيف يا ترى تحين هذه اللحظة؟ ولكي نكشف النقاب عن ذلك خضنا غمار عالم الشاعر (محمد الماغوط) الشعري الساحر الذي يشبه عالم (ر?مبو) لذا شبه به.. حدث ذلك عندما كان غريبا ووحيدا في بيروت التي فتحت له ذراعيها ونشر فيها اول مجاميعه الشعرية (حزن في ضوء القمر) وفيها كان صاحب العمود الصحفي القاطع كالسكين لكل الاحباطات في جريدة (الزمان) وفيها قدمه الشاعر (ادونيس) في احد اجتماعات مجلة (شعر) وقرأ له بعض نتاجه الجديد ـ الغريب.. دون ان يعلن اسمه وترك الجمهور يتخبط ويردد مع نفسه والآخرين انه (رامبو).. اذ عاش (رامبو) حياته كشاعر وحيد منفصلا عن عصره.. عصر القلق وصراع الذات.. والماغوط مأساته كما تقول (سنية صالح) في مقدمة (اعماله الكاملة) ـ انه و?د في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الاوسط.. ولذا وجد نفسه غريبا ومتأخرا عن الاخرين..rnيخيل لي انني اتهاوى على الارصفةrnسأموت عند المنعطف ذات ليلةrnواصابعي تتلوى على الحجارة كديدان التفاحrnدون ان ينظر اليّ احد ـ الاعمال الكاملة ص180rnيعود الشاعر الى موطنه سوريا ويعمل في جريدة (الايام) السورية.. ثم (الرأي العام) فرئاسة تحرير جريدة (الشرطة) التي حولها الى صحيفة شبه ادبية.. واصدر مجموعته الثانية (غرفة بملايين الجدران) اعقبه (الفرح ليس مهنتي) ومسرحية (العصفور الاحدب) ثم مسرحية (المهرج).. وله (سأخون وطني هذيان في الرعب والحرية) وهي مجموعة مقالات سياسية نشرها (نجيب الريس) في كتاب صدر في لندن.. يقول عنه الماغوط (ان جميع هذه الزوايا ستصبح في يد التاريخ وستقدم صورة للاجيال عن الواقع الذي كانت تعيش الامة في عصر الخذلان والعار في القرن العشرين..)?وهذا الكتاب منع من التداول في اكثر من بلد عربي.. لان الماغوط من القلة التي تجرأت على فضح العيوب وصرخت بملء فمها عن الفساد المستشري من بعض الزعماء والقادة..rnان عالم الماغوط عالم غريب مدهش يتأقلم في اقاليم الحب.. الحرية ـ الحكم.. ولكن هذه الاقاليم تعوم كلها في بحيرة الرعب.. لذا كانت كتاباته ردة فعل مقصودة وعنيفة ضد الانفعال السريع.. انه شاعر متمرد.. لذلك اصطدم باول جدار حجري الاسوار الا وهو التقاليد فهو يقول (انني اعيش في حقبة انسانية لا تسمح للانسان بان يشارك في صنع قدره اكثر من تسريح شعره وتزرير السترة..rnفي عالم يلتفت فيه حتى البرعم قبل ان يتفتحrnاخرج من المقهى وانا اتلفت يمنهة ويسرةrnحتى البرعم الصغير يتلفت يمنه ويسرةrnقبل ان يتفتح/ الاعمال الشعرية ص293rnومن هنا كانت رحلته مشوبة بالقلق والصمت والترقب.. لذا كان كثير البحث عمن يوفر الحماية والامان.. فظل حالما حتى ان الحلم اصبح عالمه.. ومضت به الظنون.. انه الحب يدخل من ابواب احلامه..rnعندما نستيقظ ولا نجد من نحبrnليس لنا الا النواح الحزين..rnعن طريق الحلم يتخلص من واقعه المرير الذي جعل الاخرين يرددون انه الغريب حتى في مماته..rnسأتأمل القدم الغائصة في الوحلrnوهي تقلب وجهي على الجانبين لتعرف..rnمن انا..؟rnمن هذا الغريب الميت في شوارعنا.. / الاعمال الشعرية ص188rnويرى الشاعر ان الكلمة الحالمة التي تخط طريقه للحرية توصله للسجن.. ومأساته انه يعيش غربة زمانية ومكانية.. ورغم هذا يغوص في كتاباته بعيدا كي يعمق المأساة.. rnعبثا تتقصين اسرار حزنيrnفي الصباح اضبارتي المدرسيةrnفحزني لا حسب له ولا نسبrnكالارصفة..rnكجنين ولد في مبغى../ الاعمال الشعرية ص303rnويقول:rnحبيبتي..rnالمأساة ليست هنا..rnانها هناك في المهد..rnفي الرحم..rnفانا قطعا ما كنت مربوطا الى رحمي بحبل صرة..rnبل بحبل مشنقةrnاذا مأساته عميقة الجذور قبل الولادة.. وهي مأساة كل انسان يصارع القدر فلا يستطيع مفرا منه.. وبالرغم من هذا يقف (الماغوط) امام تحديات العصر بصمته مفكرا.. وشاعرا مبدعا.. فال
تأملات في عالم الماغوط الشعري
نشر في: 26 سبتمبر, 2009: 02:18 ص