إحسان شمران الياسري مرت قبل أيام الذكرى الثلاثون لاستشهاد الروائي والصحفي المرحوم شمران الياسري (أبوكاطع). وقد تعذر علينا وعلى جامعة واسط إقامة الحفل الذي كان مؤملا إقامته يوم 17/آب/2011 بسبب حادث التفجير الإجرامي الذي تعرضت له مدينة الكوت الحبيبة فعزّ علينا أن نحتفي، وان كان حُزناً، في الوقت الذي امتلأت سوق الكوت بدماء الضحايا.. وكأن قدر العراقيين أن يكون الدم نشيد حياتهم ابتداء من بركة الدم التي غمرت العراق يوم 8/ شباط الأسود (الرابع عشر من رمضان) 1963، حيث كررها المجرمون هذه المرة في مدينة الكوت يوم الرابع عشر من رمضان المنصرم..
وسوف ينظم الاحتفال في الأسبوع الحالي بعون الله تعالى. لقد رفدت تجربة الراحل شمران الياسري الذائقة العراقية بأشياء جديدة في فن المزج بين الصوت العراقي والكلمة الشعبية والتوريات العميقة التي يسميها البعض (الحسجة).. إذ صار بإمكان فلاح عديم التعليم، لم تطأ قدمه أرض المدينة أن يفتن المتعلمين، بل ويجعلهم موضع سخريته وسخرية أقرانه.. ويكفي أن نقرأ ما قاله عشرات النقاد عن هذه المقدرة في الرسم بالكلمات، ونسج المستحيل، لقطع المسافة بين الممكن واللا ممكن في عشرة أسطر.. وبرحيل أبوكاطع المُحزن، فلقد حلّت واحدة من أفدح الفواجع بالثقافة العراقية، والتي بدأت سلسلتها منذ شباط الأسود عام 1963. يقول الأستاذ باقر جواد الزجاجي إن الروائي (شمران الياسري) تعرّض لظاهرة التغيير في الريف بعد إقامة الحكم الوطني في العراق، مُركّزا اهتمامه على البواعث التاريخية لهذا التغيير، مستخدماً الأسلوب التحليلي في تفسير التناقضات والمشكلات اليومية. وقد التقط الأحداث الحية ذات البعد التاريخي، تقوده إلى ذلك رؤيته العميقة لواقعه، والحس الفني الذي فرضته عليه طبيعة المرحلة التي يعيشها وانتماؤه إليها. وساعده ذلك على تحقيق القدر المناسب من التوازن بين الحقائق الموضوعية والحقائق الفنية فيه، وتحديد المهمة الحقيقية للفن. لقد صوّر الكاتب قضية الأرض، وملكيتها، وأسلوب العمل فيها، ومن ثم طبيعة العلاقة الإنتاجية التي تربط بين وسائل الإنتاج وأدواته، بفهم جديد مغاير. فالأرض في منظور الكاتب، أداة إنتاج (قومية)، وليست ملكا خاصا لشخص أو جماعة معينة من أبناء الأرض، وكذلك وسائل الإنتاج. ومن هنا جاء موقفه من واقع الملكية (الإقطاعية) قبل ثورة تموز 1958، إذ اعتُبر الإقطاعي عنصرا مستغلا، سلبهم حقهم الشرعي في التمتع بفائض قيمة عملهم اليومي، بل وتعداه إلى الاستحواذ على الحد الأدنى للأجر الحقيقي، ولهذا فقد جاءت شخصياته الروائية معبرة عن تلك الحقيقة، بوعي تاريخي صادق، استطاع القاص أن يمنحه لإبطاله عن طريق المزاوجة الفنية بين عالم المدينة وعالم القرية، الذي اخذ بالتقارب شيئا فشيئا منذ الثلاثينات من القرن الماضي. كما رجع إلى بدايات ظهور الإقطاع في قريته، عندما دُعي رئيس عشيرتهم (سعدون بن مهلهل) من قبل الحاكم الانكليزي في بغداد، في ذات الوقت الذي دعي آخرون قبله، وأغرقهم بالهدايا، نظير استجابتهم لمطالب الانكليز بتحويل النظام الإنتاجي في قراهم من (الاقتصاد المغلق) إلى (الاقتصاد النقدي التبادلي)، تحقيقاً لسياستهم الاستعمارية المعروفة، عارضين عليهم كل وسائل الإنتاج المتاحة كالمضخات وغيرها. ويعود (سعدون) حاملاً من الهدايا ما يُبهر العين والعقل، بل حمل معه مفاهيم ورؤى جديدة لعلاقاته الاجتماعية عامة.. فقد آخى الانكليز بينه وبين الشيخ (صلال) الإقطاعي المجاور الذي وقف إلى جانب الانكليز في ثورة العشرين، وقتل الكثيرين من عشيرة سعدون، وجمعهما على هدف واحد هو الامتثال للانكليز نظير تمليكهم الأرض، بعد سلبها من أبناء العشيرة، بأسلوب الاحتيال. غير أن القاص لا يُجرّد قريته من وعيها الطبقي، عندما يدفع بإحدى شخصياته (الأثيرة) عليه وهو الفلاح (حسين)، ذات العمق التراثي الأصيل، إلى التشكيك بتلك الدعوة، وإدانة مراميها، بل إلى تسفيه آراء (سعدون) الجديدة والسخرية من مواقفه المتغيرة بعد عودته من المقابلة. وللحديث بقية
مقالات واعمدة ارشيفعلى هامش الصراحة:الذكرى الثلاثون لاستشهاد شمران الياسري..أبوكاطع شهادات بعد الثلاثين.
على هامش الصراحة:الذكرى الثلاثون لاستشهاد شمران الياسري..أبوكاطع شهادات بعد الثلاثين.
نشر في: 30 سبتمبر, 2011: 06:14 م