علاء حسن الشاعر "الحلاوي" موفق محمد معروف بقصيدته الشهيرة "الكوميديا العراقية"، وبعد مرور عشرات السنين على نشر القصيدة في مجلة الكلمة، يكشف الشاعر المشغول بالهم والوجع العراقي عن أمنيته بحل مجالس المحافظات، لأنها بنظره الشكل المأساوي الآخر للمحنة الجاثمة على صدور العراقيين، بفساد مالي متعدد الأشكال والأساليب، وهيمنة الأميين على مقدرات العباد.
قبل أكثر من سنة قرر رجال اعمال مقيمون في دولة الامارات ومعظمهم من ابناء محافظة ذي قار زيارة مدينتهم وبحث امكانية تقديم خبراتهم في إقامة مشاريع عمرانية في المدينة، وعند وصولهم الى احدى قاعات الاجتماع للقاء المسؤولين المحليين، استوقفهم منظر وجود أكثر من 150 رجل حماية، فضلا عن عشرات المركبات العائدة للشرطة، وعند استفسارهم عن سبب الاجراءات الامنية المشددة المفروضة حول وداخل قاعة الاجتماع، اخبرهم مسؤول ان هذه الاعداد لحماية المسؤولين، وقبل المباشرة بالاجتماع خرج رجال الاعمال من القاعة بعد ان اخبروا المسؤولين بان امكانية تنفيذ مشاريع استثمارية في المحافظة مستحيلة، وتساءلوا من يحمي المستثمر صاحب المشروع ؟ اذا كان المسؤول المحلي يسير ويتنقل بحماية العشرات، في مدينة يقال عنها إنها تعيش ظروفا أمنية مستقرة.مدن وسط وجنوب العراق تشترك بصفات موحدة، فزائرها يجد "الكراج" الموحد و"السوك المسكف" ونادي الموظفين، وفيها ما يمكن تسميته كورنيش تسكنه الكلاب السائبة يقع على نهر صغير مياهه آسنة، وهذه الصورة لمعظم المدن لم تتغير منذ عشرات السنين، باستثناء النادي، لأنه بنظر المسؤولين الجدد مكان للرذيلة، فتحول مبنى النادي الى مقر لاحد الاحزاب، او الى شيء اخر تنطلق منه الدعوات لمطاردة وملاحقة شاربي، الخمر أجلّكم الله.الشاعر موفق محمد المعروف بمواقفه المناهضة للنظام السابق، كان يحلم بان تستعيد مدينته حضورها الفكري والثقافي كما كانت منذ بدايات القرن الماضي، لكن دائرة الحلم لم تتسع لاستيعاب كل أمنياته المؤجلة، وظل كعادته يسخر من كل المظاهر بكوميديا سوداء، جعلت من قلبه لغما قابلا للانفجار في اية لحظة، لان تكلسات الوجع المترسبة في كل انحاء جسده تحولت الى الم دفين.كل الأدباء والشعراء والتشكيليين في دول العالم يفتخرون بمدنهم وجعلوها مادة في نتاجهم الإبداعي، وحتى عقد السبعينات كان هذا التوجه حاضرا في النتاج الإبداعي العراقي، وبعد ان دخلت البلاد بنفق مظلم، واتجه الكثيرون نحو المنافي، اصر شاعر الكوميديا العراقية على المكوث في مدينته، لانه لا يستطيع فراق جسر الحلة وأصحابه، وفي غرفة خربة يقضي أمسياته ليكشف لزواره فصولا متتالية من حزنه الثقيل، بقصائد أكثر جرأة من بيانات الأحزاب والقوى المعارضة للنظام السابق. اليوم من حق الشاعر أن يرثي الحلة، لانها لم تحقق احلامه، واستسلمت لقدرها بان تكون مدينة مختطفة من جهات تزرع الألغام في قلوب الشعراء.
نص ردن :كوميديا المحافظات
نشر في: 30 سبتمبر, 2011: 08:30 م