علي نافع حمودي
هناك مجموعة من التطورات السياسية والاقتصادية التي شهدها المجتمع العراقي أدت إلى أن تلعب مؤسسات المجتمع المدني بعض الأدوار السياسية مثل التغييرات الاقتصادية والاجتماعية الحادة في المجتمع خاصة مع سياسات الإصلاح الاقتصادي وآليات السوق، وارتفاع درجة الاهتمام بقضايا الحريات وكتابة الدستور والتصويت عليه ومن ثم إجراء انتخابات عامة وانتخابات مجالس محافظات والاستعداد للانتخابات البرلمانية القادمة . لكن توجد بعض المعوقات أمام مؤسسات المجتمع المدني العراقي التي تمنعها من لعب دور سياسي فاعل ومؤثر في قرارات النظام السياسي وتتعلق هذه المعوقات باختلاف الأجندات نتيجة تدخل القوى الخارجية والممولة، والإعاقات المستمرة والقيود المفروضة من جانب النظام السياسي، فضلا عن عوائق داخلية تتعلق بمؤسسات المجتمع المدني ذاته مثل غياب الهدف الذي يفرض نفسه على كافة مؤسسات المجتمع المدني في العراق بحكم قلة الخبرة في هذا الميدان وغياب قيم الحريات والحوار داخلها وعدم كفاءة الأشخاص القائمين بهذا العمل. والمتابع إن سقوط النظام الشمولي أدى إلى إدخال تغييرات على خريطة المجتمع المدني العراقي حيث نلاحظ أن أساس هذه الخريطة حتى نهاية النظام الشمولي في 9 نيسان 2003 كانت عبارة عن منظمات تعبر عن مصالح فئات اجتماعية معينة كالنقابات العمالية والمهنية كنقابة المعلمين والأطباء وغيرها والاتحادات الطلابية أو جمعيات كالفلاحية وهذه بدورها تقدم لأعضائها خدمات محدودة ضمن مجالها المحدد، وجميعها كانت تحت سيطرة الدولة والحزب الحاكم وتخدم مصالحه بصيغة أو بأخرى ولا تتدخل في الشؤون المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الأخرى لأن هذا يعد بمثابة خطوط حمر لا يمكن مناقشتها أو التجاوز عليها . إلا أننا الآن نجد منظمات المجتمع المدني تهتم بقضايا جديدة ومشاكل جديدة مثل حماية البيئة من التلوث، والفقر، والهجرة واللاجئين وضحايا العنف والسكان الأصليين والمخدرات والإرهاب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفولة وحقوق الأقليات الدينية والعرقية.من هنا نجد إن دراسة واقع المجتمع المدني العراقي وأوليات مؤسساته وتحليل الإطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يحكم عمل هذه المؤسسات. ورصد علاقتها بالنظام السياسي. كل ذلك لابد أن يساهم في تحديد مقومات انطلاق العمل المدني في العراق الجديد خاصة بعد مصادقة مجلس النواب على قانون منظمات المجتمع , ومن هذه المقومات العمل على ترسيخ وتطوير ثقافة بناء المؤسسات، وتنمية الحوار والتعاون في المجتمع المدني ، فضلا عن البحث عن أنشطة وفعاليات جديدة تستطيع هذه المنظمات من خلالها أن يتسع نفوذها وتكون مؤثرة سياسيا. وفي ضوء ذلك فإن المطلوب العمل على تطوير آليات الحركة والاتجاه نحو تحقيق صيغة جديدة توفر المشاركة في صنع السياسات العامة وتستند إلى خدمة المجتمع ، فضلا عن القدرة على النقد الذاتي لتجاوز تلك المعوقات التي تحد من انطلاق المجتمع المدني، وهناك حاجة لتفعيل الوسائل الإعلامية والقضائية وإقامة علاقة دائمة مع الأجهزة الحكومية سواء في المركز أو الحكومات المحلية في المحافظات ليس فقط في القضايا الفئوية أو القضايا المصيرية التي تعنى بهموم فئة معينة وإنما أيضا في المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بالمجتمع ،إذ من الملاحظ أن دور المجتمع المدني يواجه تحديا كبيرا خصوصا وأن الإطار الاقتصادي والاجتماعي الذي نشأت في ظله مؤسساته في الوقت السابق يختلف عن الواقع الراهن وانه إذا كانت هناك مئات المطالب المتعلقة بالإصلاح فإن الإصلاح لن يصلح وحده دون أن يكون للمجتمع المدني دور في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وخاصة في ظل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة في العراق في ظل الظروف التي يمر بها التي تطلب أن تكون مؤسسات المجتمع المدني العراقي بمستوى المهام التي تنتظرها .