تشكل المبادرة الدبلوماسية الفلسطينية بطلب عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة, محاولة جدية للالتفاف على عملية التفاوض العبثي المستمرة منذ عشرين عاماً, مارست فيها الحكومات الإسرائيلية كل أشكال المناورة والتهرب من استحقاق السلام,
ولم تترك للمفاوض الفلسطيني فرصة مهما كانت ضئيلة, للتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وعلى العكس من ذلك سعت بكل طاقتها ليس فقط لتجميد الوضع كما هو عليه من السوء, وإنما بالرجوع خطوات إلى ما قبل اتفاق أوسلو الذي أبرمه الفلسطينيون على مضض بسبب الظروف التي كانوا يرزحون تحت وطأتها, وبات مؤكداً اليوم أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لن يعود إلى مائدة التفاوض ما لم توافق إسرائيل على شروطه لاستئناف المحادثات بهدف الاتفاق على كافة قضايا الوضع النهائي وفق الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.الخطوة الفلسطينية التي انطلقت في نيويورك, وتجاوبت أصداؤها في جهات الأرض الأربع, لم تكن قفزة في الهواء ولا هي مغامرة, فالمعروف أن محمود عباس لا يؤمن بالمغامرة في العمل السياسي, وهو يدرك أن من الممكن لخطوته أن تنجح أو تفشل, في الحصول على الأصوات المطلوبة في مجلس الأمن، فإن حصدت التسعة أصوات المطلوبة فإنه يضع بذلك الإدارة الأميركية أمام مسؤولياتها الأخلاقية لجهة اللجوء إلى الفيتو, وإلى أن يحين موعد التصويت على قبول الدولة الفلسطينية فإن نشاط الفلسطينيين يجب أن يتضاعف وأن تتضافر قوى وإمكانات الجميع بدل التنابز بالألقاب ومحاولات وضع العصي في دواليب الحراك الدبلوماسي الذي وإن لم ينجح بالكامل فإنه حرك المياه الراكدة, وأعاد المعضلة الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي. لا نقبل كثيراً البشرى التي زفها إلينا الشيخ إسماعيل هنيه, من على منبر أحد مساجد غزة المحاصرة, بأن مساعي الحصول على عضوية الأمم المتحدة ستصل إلى طريق مسدود، ( لأن التحرك الذي يقوم على منطق الاستفراد بالقرار السياسي الفلسطيني ويقوم على خطوة مجتزأة، لا تأتي في سياق برنامج وطني، وأن هذا تحرك ناقص وسيكون ضرره أكثر من نفعه )، وترجمة هذه الخطبة أنه كان على رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن يتشاور مع هنيه ومشعل والزهار, قبل الذهاب إلى نيويورك, علماً بأن حركة حماس التي يقودونها ليست عضواً في المنظمة, إن لم نقل إنها لا تثق بها وبتوجهاتها. فرض المكان ( المسجد ) روحه على خطاب هنيه، فانتقل من حديث السياسة إلى الأحاديث الدينية ليذكرنا بأن المشروع الصهيوني في فلسطين ينطلق من رؤية عقائدية تلمودية, وأن انتزاع الحقوق هو السبيل الوحيد لمواجهة ذلك المشروع، مضيفاً أنه لا يمكن أن تقام الدول بالقرارات بل إن الدول والحقوق تنتزع، ويعني ذلك أن القوة التي يعترف عباس بعدم امتلاكها، ولا يمتلكها هنيه بالفعل هي سبيلنا الوحيد، وهنا فإن علينا الانتظار, والتمسك برفض قيام الدولة, أو التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين التاريخية، لكنه عاد لحديث السياسة ليعلن أن حماس مع إقامة الدولة على أي جزء محرر من أرض فلسطين دون الاعتراف بإسرائيل ودون التنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين, ثم عاد للمماحكة مستخفاً باشتراط السلطة وقف البناء الاستيطاني للعودة إلى المفاوضات, مشيراً أن حكومة نتنياهو ترد عليهم بمزيد من الاستيطان, وكأنها بذلك لا ترد على حماس أولاً, وعلى العالم أجمع بالدرجة الثانية.موقف حماس غير جدير بالقراءة, إلا من باب مماحكة فتح وقيادة المنظمة والسلطة, وهو ليس خالصاً لوجه فلسطين الشعب والقضية, وفي آخر الأمر هو يعطي الأولوية للتنظيم على كل القضايا الأخرى, بما فيها القضية الوطنية.
في الحدث :مماحكة حماس خارج الإطار الوطني
نشر في: 1 أكتوبر, 2011: 08:00 م