 د. مهدي صالح الدواي أعلنت وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي عن حجم الموازنة المالية لعام 2012 ، التي تتراوح بين ( 112 الى 120 ) مليار دولار ، وقد أسهبت الجهات الرسمية المخولة  في عرضها لتفاصيل ضمنية لأعظم موازنة مالية في تاريخ العراق ، حيث ازدادت الاستثمارية ( 4%) عن العام الماضي على حساب التشغيلية في محاولة لدعم القطاعات الإنتاجية، بعدما امّن قطاع الصناعة الاستخراجية وحده إيرادات مالية زادت عن ( 80 ) مليار دولار - حسب تقديرنا -، مع الإعلان عن عجز تمويلي قدره (20) مليار دولار .
  والتساؤل الأهم ؛ هل أن كل تقدم يتبعه تغيير ؟ فالملاحظ أن مؤشرات اقتصادية واجتماعية مهمة مازالت لا تواكب تلك الموازنات الفلكية التي تصاعدت بشكل ملفت بعد تحسن أسعار النفط في السنوات القليلة الأخيرة ، ناهيك عن مكاسب تعزيزية أخرى أهمها ؛ إطفاء ( 80%) من ديون العراق ، وتحسن تدريجي في سعر صرف الدينار العراقي اتجاه العملات الأجنبية الأخرى  . مما يستدعي وقفات تخطيطية وتشريعية وتنفيذية قادرة على استيعاب مواطن الخلل والضعف في ترجمة موازناتنا الى توازنات اقتصادية واجتماعية وبيئية باستطاعتها أن ترتقي سنويا" بمعدلات الناتج المحلي الحقيقي للبلد.نحن بحاجة إذن أن نرى ونتحسس اقتصادا ذا قاعدة إنتاجية متنوعة ، ترتقي بموجبه مساهمة قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات في تكوين الناتج القومي بنسب تتجاوز الآحاد والعشرات ، لما لهذه القطاعات من دور توازني في كبح جماح البطالة والتضخم والتبعية الاقتصادية للعالم الخارجي ، وما مخصص لتلك القطاعات مازال لا يرتقي لدورها الحيوي في ظل سياسة  استيرادية تخطت ماهو ضروري نحو ماهو كمالي - مظهري ، أدت بالنتيجة الى سحب الدعم السعري للمنتج المحلي من المواد الاستهلاكية الزراعية والصناعية  ، فاستشرت البطالة في بلد يعد شحيح السكان قياسا" بموارده ومساحته الجغرافية .وذات الأمر ينطبق على خلق توازن بين كفاءة الموردين المالي والبشري ، إذ من متطلبات النهضة ؛ الاستثمار العالي في رأس المال البشري القادر على إدارة وتفعيل خططنا التنموية  ، ويقلل من نسب الهدر والإسراف والفساد بأنواعه . من هنا لابد من رفع نسبة ما مخصص للإنفاق على البحث والتطوير  بما يصل الى أكثر من 2% من الناتج القومي أسوة " بالدول المتقدمة ، والاعتماد على ركيزة التعليم لمحو الأميتين ( الأبجدية والمعرفية).ويبقى للارتقاء بالبيئة – بمفهومها الواسع – دور في تحسس المجتمع لمخرجات موازناته المالية ، فوجود مرافق ومشاريع سياحية خضراء على مساحة العراق سيسهم حتما" في وجود توازنات ايجابية تتعلق بالحد من الهجرة الداخلية ، وإيقاف التصحر ، والجذب السياحي ، هكذا إذن تمارس الموازنة أدوارا" حاسمة بتيارات إنفاقها وإيراداتها، فيصبح لتقدمها أكثر من تغيير.