اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > كـولاج مـكـانـي: بـرحـيُّ المـكـان... بـصـريٌّ مـقـطـوعٌ مـن نـخـلـة

كـولاج مـكـانـي: بـرحـيُّ المـكـان... بـصـريٌّ مـقـطـوعٌ مـن نـخـلـة

نشر في: 2 أكتوبر, 2011: 08:48 م

 كتابة وتصوير/ علي وجيه(شروع)الوسادة/ كسلٌ قُطني...كانتْ تنـزفُ ريشاً ؛ ألقيت برأسي على سُرّة الوسادة ، كانت دافئة ومُبتلّة : رُبَّما سقتها أمي - قبل تحضير العشاء - بزخّةٍ من الدمع ، كانتْ أنفاسي الحرّى تُضفي على الحائط المليء بخرابيش أخوتي الصغار طبقةً من الضباب...
الوسادة تُشبه لوحةً تجريديّة من الريش : ضحكتُ ، تساءلتُ ، لو أننا نسمع صراخ الدجاج والديكة من ريشهم المُخبَّأ في أكياس القماش لما تمكَّنا من النوم أبداً...دافئةٌ وسادتي ، وسادة الجميع "وجَّهتُ وجهي" إلى الحائط و"سلَّمتُ أمري" للوسادة  غريباً مُعذَّباً ما أنا من الفرحين ، كان رأسي موشوماً بإزميل الأرق : كانت عيناي توشكان على الخروج من محجريهما...النوم كذبةٌ أحاول تصديقها...(بَصَرٌ ، بَصيرة ، بصرة)يُعاودُني منفاي ، رغم أنّ سنواته تيبّستْ وتجاوزتُها ، لكن : كم وطناً نحتاجُ لننسى المنافي المزروعة داخلَ جلودنا ، أكره كل أنواع السفر عدا سفر العودة، فالمنفى جعلني أتكوّر على ذاكرتي ، مكتبتي ، أحزاني ، كالحلزون ، يومٌ كامل بليلته قضيته في سيّارة للوصول لأن البصرة تستحقّ كلّ شيء ،كنتُ أنظر إلى الجبال ، ويخرجُ المتنبي من حُنجرتي : بيني وبيـــن أبي عليٍّ مِثْلُهُشُمُّ الجبال ومِثْلُهُنَّ رجاءُوعقابُ "إيرانٍ" وكيف بقطعها؟وهو الشتاءُ وصيفهنَّ شتاءُلبس الثلوج بها عليّ مسالكيفكأنها ببيــاضها سوداءُيَعودُ العائدُ ، "يتعرقنُ " الطَّريق ، النَّخلُ يرتدي عباءةً من لحاء ، والماء ينتابُني وأنا أرى سجّادة مياهٍ زرقاء تحملُ اسم شطّ العرب ، حتّى الجِسرُ ( جسر التنّومة ) بدأ بالتراقص مع قلبي ونحنُ في الطَّريق إلى البصرة القديمة ( ومَنْ قال إنّ البصرة فيها جديد؟!)...أَراهُ ، بالقامةِ الفارعة ، يفتحُ يديه وتقفُ حمامةٌ على يده اليُمنى...(العشّار ، أم البروم ، الكورنيش)وصلتُ لبيت صديقي ، تحت الدوش مرّت الرحلة كومضة في بالي ، أشعر بتعب فضيع لكنني لن أنام : أيّ غبي ينام في البصرة؟!...درجة الحرارة عبرت الخمسين درجة مئوية ، لدرجة أنّك تتعرق تحت الماء البارد أثناء الاستحمام ، أو أنّ دُخان السِّيجارة يشاكسُكَ فيبقى أمام وجهك ولا يتحرّك ، لكنّك تبتسم ، وتتذكّر أيّامك الثلجيّة "غريبَ الوجهِ واليدِ واللسان"...تمشي نحو العشّار ؛ حيثُ البهجة ؛ والبائعُ المصريّ الذي يبيع العصير وهو يصيح "هو ده المِكَرّش!" ، الضجيجُ يحرّك الهواء ، وتشعرُ بالبياض وهو يلفّكَ كطفل...أمّا أم البروم ؛ فحكايتُها حكاية ، سُمّيتْ بهذا الاسم تيمّنا باسم القدور التي أرسلها الوالي العثماني من تركيا للاحتفال بسلامته وسلامة عائلته من الطّاعون الذي فتك بالبصريين ونجا منه الوالي!...تمشي وتشعرُ بالأرضِ تئنّ...تسيرُ ويُخيّل لك أن أيديَ كثيرة تمتدّ لتسحبكَ ؛ الى أجداد فرمتهم الولاة ، وولاة ما زالوا يحتفلون بسلامتهم!...(شلامجة)وأنتَ تشهقُ بالأخضر ، بهذه المدينة ، تمرّ على الكورنيش ، تحيي السيّاب وصديقك بائع السمبوسة ، وتعبرُ الجسر ( الراقص!) نحو التنّومة ، لا تعرف بأنَّ هذا الأخضر الذي ازدحمتَ به طوال الأيام الماضية سيُمحى بعد نصف ساعة ، فأنتَ الآن في الشلامجة...يمتدُّ الأصفرُ أمام عينيك ، على مدّ درجات نظرك الـ(6/6) وأنتَ تجلسُ في سيّارة النقل متوجّهاً الى الحدود العراقية الإيرانية (معبر الشلامجة)...تنظرُ لهذه المنطقة وتستعيدُ جزءاً من الذّاكرة ، ذاكرة الحرب ، وذاكرة الشباب المسكوب فوق رمال هذه الصحراء الشاسعة – الخالدة بعد فناء جيشين من الرجال...ترى الأرض صلعاء ، مزروعٌ برأسها عشرات اللافتات المكتوب فيها (احذر ، حقل ألغام) ، فمَنْ قال إن القنابل والألغام تشيخ؟ ، إنها تحافظُ على بشرتها وتبقى مستعدّة لملامسة أيّ رجلٍ في أي لحظة كي يختلطا والغبار في طريقهم إلى فوق ، أو تحت...( وللألغام حكايةٌ أخرى رواها لي السائق ، لم تحاول أي منظمة دولية أو محلية إزالتها ، لكن تفجيرها يكون عبر الكلاب السائبة المسكينة التي يُشاهدُ أجزاء من جثثها وهي تتناثر في الشلامجة! ).يُخيَّلُ لك أنك ترى خوذةً ودبّابة وأسمال جنود..تساءلُ نفسك : ما الذي أفعله ! ، أفكّر بزمنٍ سبق ولادتي؟ لماذا؟ ، يجيئكَ الجواب من ذاكرةٍ قريبة ، حين تتذكّرُ الصّور التي ازدحمت ببيوت جيرانكم ، الشباب ذوو السوالف والشوارب الكثيفة والابتسامات الحقيقية ( يومها كان الإنسان يبتسمُ بكلّ وجهه!) ، وشريطٌ أسود أمسكَ بياقة الصورة اليُسرى ، وتحتها : اسمُ الشَّاب و تأريخٌ مخلوطٌ بسنيّ الثمانينيات...ترجعُ وتحوّل بصرك ، ترابٌ أصفرُ لا يسرّ الناظرين يجعلك تظنّ حتى السماء صفراء فوق تلك المنطقة ، لا ماء ، لا شجرة ، لا بشر ، فقط بعض السيارات التي تقلّ الزوّار...وتمشي السيّارة كامرأة حامل بالغرباء ، ويغصّ رجلٌ كهلٌ بقربك وهو يقول : - هذا نهر جاسم!وتتذكر ما لم تحضره ، الأمّ وهي تعانق ابنها قبل الالتحاق ، الابن وهو يقوم بوشم جسده للتعرف على جثته ، فالجثثُ تنتفخُ بالماء ، ولا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال التعرفُ الى الملامح بعد أن تذوب...يقول الشيخ ونحن ننظر لهذه "الحُفيرة" و &qu

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram