TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > السطور الاخيرة :الأماني رأس مال المفلسين

السطور الاخيرة :الأماني رأس مال المفلسين

نشر في: 2 أكتوبر, 2011: 10:30 م

 ســـلام خـــياط كلما ألم بي مرض وتفاقم، وتقاذفتني رياح البرداء وسعار الحمى، وأحسست إن رحلتي الأبدية قد أزف موعدها، انتابتني لوعة لاذعة أين منها معاناة سكرات الموت. ليس خشية من متاهة ومسارب الرحلة ووحشة الطريق، إنما أسف على آلاف الأوراق والمصادر والأبحاث والكتب المركونة فوق الرفوف، المحشورة في الصناديق، المخبأة تحت السرير، المزروعة جنب الوسادة، الأكداس التي زمزمت سيلها من ألف زهرة،
بألف لون، بألف شذى على مدى نصف قرن. مقتطفات ونصوص متفردة لكبار الكتاب، مقابلات فريدة، صور موحية مع مفكرين ورؤساء.. كلما تحشرجت في صدري الأوجاع وبلغت الروح حفافي الحنجرة وأحسست بدنو الأجل، ساورتني غصة مريرة، إذ أتخيل حمالين غرباء أجراء، يحضرون على عجل، يحملون دونما اهتمام ولا مبالاة، كل تلك الأطايب الثقافية بكل ذاك الشذى، ويذهبون بها بعيدا لإلقائها في أقرب مكب للنفايات حيث يجري حرقها للتخلص منها او تدويرها لتغدو أكياسا لتغليف صناديق القمامة. المشهد المتخيل شرس شديد القسوة، ربما -أقول ربما- لهذا السبب لم أكن لأستسلم لداعي الموت بسهولة فما أن، اقترب من النزع الأخير أو يقترب مني، حتى يتلبسني عناد موروث ودعاْء مستميت: ربِّ، لا تمتني الساعة ولا في الغد، ربِّ لا تمتني قبل أن ارى المشروع الثقافي العملاق الذي في بالي قد تحقق، وأكتمل، وكتابي الأخير قد أنجز.التراث الجمعي العراقي مشتت ومبعثر ومهمل.. كتب التاريخ كتبت بمزاج رجل السلطة وسطوة صولجانه، وبما يمكن أن نطلق عليه - بتحفظ- تزوير التاريخ، كتب السير الذاتية التي يكتبها كاتب الشبح أو كتاب التراجم كتبت بمزاج الإنحياز أو الزلفى، أما كتب النقد فلا نستطيع تبرئتها من المظنة والإنحياز بما يمكن أن نطلق عليه التواطؤ (التحابب) أو التنافر والغضاضة بين الناقد والمنقود، ما الذي يتبقى من حقيقة المثقف هو إرثه الشخصي: كتبه ومسودات كتبه، خطوطه وخربشاته، محوه وتصحيحاته، نبض قلمه الذي لم يتسن له البوح به أو نشره. مكتبه وكرسيه وسريره ومقتنياته.    أحلم بتنفيذ مشروع ثقافي ضخم يضم ويحوي إرث المثقفين-راحلين وأحياء- والذي أودعت جدواه وتفاصيله لدى زميلة، وعدت بعرضه والترويج له بين أوساط المسوؤلين، ثم توارت عن المشهد وفقدنا بوصلة الاتصالات. أتمنى أن ينأى وزير الثقافة بنفسه ومنصبه عن الصراعات السياسية المحتدمة بين هذا القطب أو ذاك، وبين هذي الكتلة أو تلك، ويولي اهتماما مضاعفا لإنشاء بيت للثقافة، يضم إرث المثقفين ومقتنياتهم، إنها رسالة إنسانية تسجل باسمه في سجلات الخالدين.  أتمنى، وأشتط في التمني، وأدري... يقينا أدري، إن التمني رأس مال المفلسين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram