TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة :إلى آية اللامي..ومكافحات أخريات رحيل وانغاري ماتاي.. أُم الأشجار

منطقة محررة :إلى آية اللامي..ومكافحات أخريات رحيل وانغاري ماتاي.. أُم الأشجار

نشر في: 4 أكتوبر, 2011: 08:32 م

 نجم والي هذه المرة سأكتب عنها، عن المرأة تلك التي جلبت لنا اللون البرتقالي: فمن يدري وقبل أن يطغى اللون البرتقالي على صور المتظاهرين التي جاءتنا من أوكرانيا قبل سنوات، كانت  قد اختارته أولاً امرأة أخرى، عاشت على بعد آلاف الكيلومترات، إلى الجنوب من العاصمة الأوكرانية الباردة كييف. إنها وانغاري ماتاي التي طافت صورتها للمرة الأولى على شاشات المحطات التلفزيونية في العالم، عام 2004،
وهي ترتدي ملابسها التي هي، كلها باللون البرتقالي، حتى القماش الذي لفت به شعرها، كان لونه برتقالياً، كأنها هيأت نفسها لتلك المناسبة: مناسبة تسلم جائزة نوبل للسلام في العاصمة النرويجية أوسلو.المرأة البرتقالية ذات البشرة السوداء هذه المولودة في شمال العاصمة الكينية نيروبي، شكلت في الحقيقة علامة فارقة في تاريخ الجائزة وفي تاريخ بلادها والقارة القادمة منها، بصفتها أول امرأة أفريقية سوداء تتسلم جائزة نوبل. من حقها إذن أن تفخر في حينه بتصنيف نفسها: المتمردة صاحبة اللون البرتقالي،أن تفتخر أيضاً بصبرها وكفاحها اللذين أوصلاها إلى أوسلو، فهي وُلدت وترعرعت في زمن كان فيه حظ النساء شحيحاً بالحصول على فرص التعليم في أفريقيا، وفي كينيا بالذات. وفي أحسن الأحوال لم تكن فرصهن تتعدى حدود مراحل التعليم الأولى، إذ كثيراً ما يتركن مقاعد الدراسة قبل الوصول إلى مستوى تعليمي عال، سواء بسبب الفقر والمجاعة أو بسبب التقاليد. رغم تلك الظروف الصعبة، تقول لنا سيرة هذه المرأة العنيدة، إنها نجحت بإكمال دراستها الجامعية في جامعة نيروبي، فرع علم البيولوجيا. لم تكتف بذلك وحسب، إنما واصلت دراساتها العليا في الولايات المتحدة الأميركية أولاً ثم في ألمانيا ثانياً (ماتاي ظهرت في تلك المناسبة في التلفزيون الألماني تتحدث الألمانية بطلاقة). وبعد الانتهاء من الدراسة، عادت إلى بلادها مباشرة وبحماسة، وكأنها تعرف أنها ستسجل تاريخاً عن طريق عودتها تلك، لأنها أول امرأة كينية تحصل على لقب دكتوراه. ليس ذلك وحسب، إنما عندما بدأت عملها بصفتها دكتورة في جامعة نيروبي، كانت أيضاً رائدة في هذا المجال.لكن وانغاري ماتاي ليست امرأة صعبة المراس مليئة بالطاقة وحسب، إنما هي امرأة حساسة، لا ترى تحقيق نفسها في الوظيفة، إنما في العمل الاجتماعي، فهي كما تقول، "صاحبة شعور حساس لا يطيق رؤية الظلم والاستغلال، من غير المهم، سواء تعلق الأمر بالإنسان أم بالطبيعة"، كما قالت في كلمتها التي ألقتها بمناسبة تسلمها جائزة نوبل للسلام. ذلك ما دفعها في عام 1977 إلى الاستقالة من وظيفتها الجامعية، من أجل تكريس وقتها لإنجاز مهمة أخرى. شعرت بأن "واجب إنجازها يقع  على عاتقها"، لتؤسس "حركة الحزام الأخضر"، التي وضعت هدفاً رئيسياً لها، إنقاذ الغابات الموجودة على امتداد مساحة بلادها، كينيا، تلك الغابات التي تؤكد أنها "دُمرت واستغلت بصورة بشعة من قبل الحكومة الكينية". وعلى مدى الأربعة والثلاثين عاماً الماضية، نجحت الحركة بغرس ما يقارب 30 مليون شجرة في كينيا.وربما رداً على صيحات الحرب الذكورية، التي راحت تُطلق كلمة "أُم" على كل دعواتها "الدموية"، منحها الناس المسالمون في كينيا وفي قارة أفريقيا، لقباً جميلاً: "ماما ميتي" أو "أُم الأشجار"، رغم أن الأُم الشجاعة حملت معولها دائماً على كتفها، ودارت من مكان إلى آخر لكي تزرع أشجاراً جديدة، أحياناً وحدها، وأحياناً بصحبة أنصارها. وكانت في ما تفعله تتعرّض للمخاطرة بحياتها، إذ كثيراً ما كانت تصطدم بالمقاومة الرسمية. هناك صور كثيرة تؤرخ ما قامت به. أشهرها تلك الصورة الأسطورية التي تناقلتها الوكالات، والتي ظهرت فيها والمعول على كتفها، تقاوم السلطات العسكرية التي منعتها من زرع الأشجار. لم يكتف العسكر بمنعها من ذلك، كما لم يكتفوا بقلع الأشجار التي غرستها، إنما ضربوها، مرات عديدة ألقوا بها في السجن أيضاً. ومن أجل معرفة معنى أن يُسجن أحد في كينيا، يكفي أن نعرف ماذا يعني الحديث عن حقوق المساجين في بلد وقع تحت قبضة استبداد ديكتاتور مخضرم حكم كينيا من عام 1978 حتى عام 2000، هو دانيل آراب موي. وفقط بعد تنازله عن كرسي الحكم، انتخبت وانغاري ماتاي عضواً في البرلمان، قبل أن تتبوأ منصب وزيرة للبيئة، أول منصب في تاريخ أفريقيا. بالتأكيد فتحت أمامها جائزة نوبل للسلام التي فُتحت لها العديد من الأبواب التي كانت مغلقة في وجهها حتى   الآن: في الحكومة الكينية أو في العديد من المنظمات المؤثرة في داخل البلاد وخارجها.وانغاري ماتاي "أُم الأشجار" ماتت يوم الاثنين الماضي، 26 سبتمبر/أيلول في نيروبي بعد صراع طويل مع مرض السرطان. الطبيعة التي كافحت من أجلها، خذلتها في جسدها ذاتها هذه المرة, تحية لوانغاري ماتاي ولكل امرأة مناضلة تسير على خطاها في كل مكان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram