فريدة النقاش هذه رسالة أوجهها للدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة في أنه لن يتردد في الإنجاز إذا ما أمكنه ذلك، خاصة أنه دأب منذ توليه الموقع على البحث بجدية عن إمكانات تطوير المواقع الثقافية طبقا لما يتوافر له من إمكانات معلنا عن استراتيجية واضحة للوصول بالثقافة إلى الشعب بالمعنى الحرفي وليس الدعائي ، وليس أدل على ذلك من نزوله هو نفسه بين الحين والآخر إلى المدن والبلدات والقرى للمشاركة في مناسبات ثقافية وتشجيع الممارسين الثقافيين على إنجاز عملهم على أفضل نحو.
ويذكرني سلوك وزير الثقافة بما كنت قد قرأته عن تجربة مناضلين يساريين من المثقفين حول عملهم في الأحياء الفقيرة والعمالية في بريطانيا في ثلاثينيات القرن الماضي حين رفعوا شعار احفر حيثما تقف، وأخذوا يبحثون عن المواهب في هذه الأحياء ويفتحون لها الأبواب وينشئون دور النشر الصغيرة ويحولون بيوت كبار الكتاب الذين بدأوا حياتهم في هذه الأحياء إلى متاحف لتصبح مزارات للأجيال الجديدة وتسهم في بناء ذاكرتها بتراث أمتها.وقصة الإدارة المصرية مع متاحف زعماء مصر وكتابها وفنانيها قصة محزنة فقد انقضت أكثر من أربعين عاما على وفاة عبد الناصر والإعلان عن تحويل بيته إلى متحف، ولم يظهر المتحف إلى الوجود حتى الآن رغم أن البيت مازال قائما في مكانه. وأغلق متحف «أحمد عرابي» في قريته بالشرقية منذ اثني عشر عاما بدعوى ترميمه ولايزال مغلقا حتى الآن، ولا عجب أن نجد بين أبناء الأجيال الجديدة من يسأل من هو «أحمد عرابي»، بل ومن هو «جمال عبد الناصر» لأسباب كثيرة من ضمنها إهمال فكرة تثقيف الأجيال عبر المتاحف من كل نوع. وأريد الآن أن أتحدث عن «نجيب محفوظ» الذي قدم لذاكرة الأجيال شخوصا وكلمات لا تنسى.يعيش «محفوظ» لا في رواياته وقصصه فقط والتي تحول معظمها إلى أفلام أصبح بعضها علامات فارقة في تاريخ السينما المصرية وتطورها، وإنما أيضا في ثلاثة أجيال من المبدعين تتلمذوا على مفردات عالمه وتقنياته في الكتابة، وتأثر بعضهم بنموذجه الأخلاقي والسلوكي الرفيع، بينما تأثر آخرون بدأبه وانضباطه وثقافته الواسعة وتطلعه الدائم إلى التجديد الذي فاجأ الأجيال التالية له.حين زرت مدينة «فايمر» في ألمانيا قبل سنوات صحبتني مرافقتي إلى بيت الشاعر «غوته» الذي تحول على صغره إلى متحف بديع.. فشاهدت السرير الذي نام عليه وقضي آخر أيام عمره فيه، والساعة في غرفة النوم وقد توقفت عقاربها عند لحظة وفاته، والأقلام التي كان يكتب بها، ومكتبته والمكتب والكرسي الذي كان يجلس عليه وآخر ورقة كتبها بخط يده وعصاه التي كان يتوكأ عليها في شيخوخته والجرامفون الذي كان يسمع منه الموسيقى.. ثم حديقته التي أجرى فيها دراساته كعالم نباتات، وزرع فيها أنواعا أحبها وعرف خصائصها. حينها شعرت بالأسف لأن الفيلا التي عاشت فيها «أم كلثوم» آخر أيامها وفيها أشياؤها وأنفاسها حولها ورثتها إلى فندق في جزيرة الزمالك في منطقة ساحرة على النيل، وذراً للرماد في العيون - كما يقال- أطلقوا عليه اسم فندق «أم كلثوم»، بينما كان بوسع الحكومة أن تنزع ملكية «الفيلا» للنفع العام وتدفع ما يطلبه الورثة من أموال.. وتحولها إلى متحف ومزار أسوة بما تفعله الحكومات بتراثها الثقافي وبيوت أعلامها.وأطلق من على هذا المنبر دعوة لتحويل بيت «نجيب محفوظ» إلى متحف بعد رحيل زوجته - أطال الله في عمرها ولعلها انتقلت الآن إلى بيت آخر لأن علامة الإهمال باتت على البيت القديم بدءاً برعاية الزرع في انتظار ربيع آخر تزهر فيه الورود التي ذبلت بعد أن كان البيت يبدو من الخارج كحديقة، وذلك لتعرف الأجيال الجديدة أن كاتبنا الكبير قدم إبداعه الثري في هذا المنزل الصغير الذي اختاره على النيل، وتتأمل في المكان الذي كتب فيه أعماله والتي كتبها في غرفة الطعام،وتنظر في مكتبته وأفلامه وكتبه لعلنا نتعلم من سيرته الفذة.. ويتحول البيت الصغير لمزار ينقش آثاره في ذاكرة الشعب.
بيت نجيب محفوظ
نشر في: 4 أكتوبر, 2011: 08:34 م