علي حسن الفواز | 2 - 2 | الحداثة والنكوص: ثم اكتشاف أميركا على يد كريستوفر كولومبوس الذي فتح صفحة جديدة في التاريخ العالمي، أدت إلى إغناء أوروبا وتهميش العالم الإسلامي أكثر فأكثر. وكلما ازداد الأوروبيون صعوداً في سلم الحضارة ازددنا نزولاً. بعدما كنا مزدهرين في مجال العلوم الدينية، والفلسفة، والعلم الطبيعي، وكأننا ختمنا العلم الآن ولم نعد بحاجة الى بحث أو تساؤل! بل أصبح البحث العلمي عندنا بمنزلة تطاول على الله في خلقه!
وفي كل الثورات والانقلابات التي حصلت منذ القرن الخامس عشر والسادس عشر، حصلت وهي بمنأى عن العالم العربي والإسلامي الذي كان يغط في نوم "أهل الكهف" لمدة ستة قرون، في حين كانت أوروبا تشهد عصر النهضة والإصلاح الديني في القرن السادس عشر، ثم الثورة الحديثة على يد غاليليور وكيبلر وديكارت ونيوتن في القرن السابع عشر، ثم فلسفة التنوير في القرن الثامن عشر. وهي الفلسفة التي أدت إلى نقد الدوغماتية المسيحية المتحجرة وفتح ثغرة في جدار التاريخ المسدود. وشهدت في القرن السابع عشر الثورة الصناعية التي تواصلت إنجازاتها في القرن العشرين، ونتساءل كيف يمكن للعرب، أو للمسلمين بشكل عام، أن يدخلوا التاريخ مرة أخرى؟قبل المطالبة بدخول التاريخ يجب تسليط أضواء المناهج العلمية على التراث العربي والإسلامي ليتجلى بكل تاريخيته. ويحررنا من عراقيله وتراكماته وأوهامه.ولفهم ما يجري في العالم العربي عموماً وفي المشرق العربي خصوصاً، يلزمنا تحليل فلسفي يصل إلى أعمق الأمور أو جذورها الدفينة، كما حاول بذلك الباحث هاشم صالح الذي يستشهد بما قاله فرويد بأن"كل ما كتب على مدار التاريخ سوف يستيقظ يوماً ما، وينفجر كما تتفجر البراكين من أعماق الأرض ويطالب بحقه في الوجود والتعبير عن نفسه. وسوف ينتقم لنفسه ممن كبتوه وظلموه". ولكن كيف يمكن تطبيق هذا الكلام على الواقع العربي؟ الجواب ليس صعباً على الباحث صالح الذي يحتاج إلى تلمس الكثير من الخفايا داخل الوجدان العربي، إذ أن تاريخ الحروب والأزمات وطبيعة الأنظمة الديكتاتورية، هو ما أسهم في إنتاج الكثير من المشكلات الصراعية في الفضاء العربي ، منها المشكلات الطائفية والاثنية، فضلا عن دور المهيمنات الخارجية التي وضعت هذه الأزمات في مختبراتها لكي تصنع منها مجموعة من العقد والتهديدات التي تضعها أمام العقل العربي الإسلامي وضخّها مع كل أزمة قد تحدث هنا وهناك. لكن المشكلة لا تكمن في الآخر بكاملها، فالبيئة العربية الإسلامية مازالت تقف أمام عشرات الأزمات التي تصنع لنا مصدّات واهية، وربما خطوات مرتبكة أو طرقاً مزيفة للمستقبل، فالتعليم العربي في كل مستوياته مازال هشاً، وبرامج التنمية مازالت هي الأخرى مشوهة، ودور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في اغلب هذه البلدان محكوما بعقد وأوهام ومصالح تصب أحيانا في تكريس(اقتصاد التخلف) كما يسميها الدكتور فالح عبد الجبار.فضلا عن التغييب المتعمد للكثير من القوى المضطهدة في التاريخ وعدم الإيمان بإخراج هذه القوى من عزلتها لتمارس دورها في البناء، مثلما تحصل على كامل حقوقها في الوجود والحرية والتعبير عن هوياتها المقصية طوال عقود لأسباب سياسية أو ما يتعلق بأزمات الحاكميات الاستبدادية التي هيمنت منذ مئات السنين على حياتنا ومؤسساتنا..لا شك في أن أي باحث أو مفكر يحاول النبش عن قانون الهيمنة المخفي وإخراجه إلى السطح وجعله عرضة للنقاش والمراجعة، يدرك، أنه سوف يواجه فوراً بالرد الحازم من أجل قطع الطريق عليه وإطالة أمد قانون الهيمنة إلى أجل غير مسمى. فالإنسان المهيمن صاحب الامتيازات يحب الوضع القائم ولا يشعر بوجود أي مشكلة. ولكن هل يمكن لأي قانون هيمنة واستعلاء أن يستمر إلى الأبد؟من ينظر إلى ما وصلت إليه أوروبا، سيعرف كيف استطاعت أن تتجاوز المرحلة اللاهوتية الطائفية القديمة وتتوصل إلى المرحلة العلمية والفلسفية الحديثة التي لا تقيم الإنسان إلا طبقاً لإمكاناته وكفاءاته وميزاته الشخصية ولأن العالم العربي لم يتوصل إلى هذه المرحلة بعد فإن الطائفية أو المذهبية أو العرقية سوف تظل منتعشة، وسوف تظل هي المعيار الأساسي لتقييم الناس.أخيراً لا بد من التوقف أمام إشارة الباحث في معرض حديثه عن أهمية تفكيك العصبيات الطائفية والمذهبية والقبلية كشرط مسبق وضروري لتشكيل مجتمع مدني متماسك ومنسجم، معتبراً أن هذا العمل لم يتحقق حتى الآن وان الكثير من القوى السياسية والثقافية تسعى لكي تتبنى مفاهيم جديدة للدولة المعاصرة، تلك التي تقوم على قيم الديمقراطية وقيم المواطنة والشراكة في بناء المجتمع، وطبعا هذا لا يحدث دون مجموعة من التوافقات التي تنطلق من حقيقة تجاوز عقد الماضي، وعقد الهيمنات القديمة، وتشكيل فضاءات واسعة تتبدى فيها قيم التحديث على أساس صناعة الدولة، دولة الإنسان/المواطن، وليس دولة الجماعة التي سرعان ما تنتج لنا أشكالا من الديكتاتوريات التي تضع الدولة والمجتمع داخل مفاهيمها الضيقة، وبالتالي إقصاء الحداثة كقيم وإجراءات، فضلا عن مواجهة كل ثقافات التحريض التي تقوم بها بعض المؤسسات في هذا البلد أو ذاك والتي تحرّض على الصراعات الطائفية والاثنية، وتكفير الآخر تحت الإيهام بعقد التاريخ وسوء قراءة النصوص أو ربما القصدية في قراءتها لحساب مرجعيات أيديولوجية ماضوية..إن سؤال التحديث يواجهنا دائما، لأنه سؤالنا الوجودي الأك
عند رثاء التاريخ والمركزيات.. من يشرعن ثورات الشعوب؟
نشر في: 4 أكتوبر, 2011: 08:38 م