سليمة قاسمrnيصرّ أحد العراقيين المقيم في ألمانيا منذ عشرين عاما على أن يشاركه أصدقاء أولاده الألمان في وجبة الطعام التي يتناولونها وهو أمر يرفضه أبناؤه تماما كون أصدقائهم الألمان لا يدعونهم إلى مشاركتهم في الطعام حين يزورونهم ولا يشعرون بالحرج وهم يتناولون الطعام أمامهم.
إصرار الأب على مشاركة الآخرين في طعامه بل والإلحاح عليهم حتى يرضخوا هو نتيجة طبيعية لعادات وقيم تربى عليها في بلده الأم تختلف بالكامل عن تلك التي نشأ عليها أولاده في البلدان التي تربوا فيها والتي تقوم على أساس أن الإنسان حين يبلغ سن الرشد يصبح مسؤولا عن إعالة نفسه وتوفير طعامه وملبسه لا يشاركه فيها أحد إلا برغبته والابتعاد عن المجاملات في علاقته بالمحيطين به. وفي حفل زفاف أقيم في أحد النوادي الاجتماعية الراقية في بغداد تفاجأت إحدى المدعوات أن البوفيه كان فارغا حين جاء دورها لتختار طعامها، أما الصحون التي تركها المدعوون بعد الانتهاء من تناول طعامهم فقد كانت مليئة بالطعام الذي يكفي مجموعة كبيرة من المدعوين. كنت أحدث صديقتي عن أسباب عودتها إلى العراق بعد ستة عشر عاما قضتها في هولندا فأخبرتني أن الطعام هو السبب ،فقد ادعت أن طعامهم ليس لذيذا وهم يبيعون الفواكه والخضراوات ، أعدادا وليس بالكيلوات وهو أمر لم تعتده حين كانت في العراق حيث اعتدنا الإكثار من الطعام حتى لو كان أكثر من حاجتنا الفعلية. و لا يقتصر الأمر على عادتنا في الإكثار من الطعام بل عن نظامنا الغذائي الذي يعد سيئا للغاية حيث نهتم بكثرته على حساب نوعيته وفائدته ونطهو الطعام بطريقة تفقده الكثير من قيمته الغذائية ونكثر من استخدام الدهون التي تسبب الكثير من الأمراض . وقد اقتحم الطعام حتى الأمثلة الشعبية المتداولة مثل "اطعم الفم تستحي العين" و"بينا زاد وملح و"العين تشبع كبل المعدة" وغيرها الكثير من الأمثال التي لايسعنا ذكرها هنا. ويرى الكثيرون أن البذخ في تقديم الطعام هو نوع من أنواع الوجاهة وتكسب المرء احتراماً بين أقاربه،وقد فشل الكثير من الزيجات لكون الزوجة لم تعرف أن أقصر الطرق إلى قلب زوجها هو معدته..وحين تحدث خصومات عائلية مثلا، فقد تكون وليمة فاخرة هي السبيل الأمثل لحلها ،وقد شهدنا مثل هذا الأمر حتى على المستوى الحكومي، فقد أقيمت عدة ولائم لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين. هذا الأمر انعكس سلبا على مناسباتنا الاجتماعية مثل الزواج أو الوفاة، حيث يضطر صاحب المناسبة إلى توفير أصناف متعددة من الطعام بكميات كبيرة ،ونتيجة لذلك فقد باع البعض بيوتهم أو سياراتهم ليتمكنوا من إقامة حفل زفاف أو مجلس عزاء ينال رضا المعزّين أو المهنئين دون أن يفكروا بأن التبذير على إقامة مثل تلك المناسبات تعززه الروح العشائرية التي يفترض أننا قد تخلينا عنها منذ زمن طويل. إنها دعوة ليكون الغذاء وسيلة وليست غاية ، فشعارنا يجب أن يكون: نحن نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل.
نــأكـــل لنعيــش.. أم نعيــش لنـــأكـــل؟!
نشر في: 5 أكتوبر, 2011: 08:12 م