rnترجمة: نجاح الجبيليrnrnrnترنس مالك (1943) هو مخرج أميركي مقلّ من مبدعي السينما المستقلة ونادراً ما يظهر في المقابلات أو المهرجانات، بلغت أفلامه الطويلة خمسة على مدى 40 سنة من صنعته السينمائية. فاز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي2011 عن فيلمه "شجرة الحياة". وقد كتب الناقد السينمائي أي.أو.سكوت هذه المقالة النقدية عن الفيلم في صحيفة نيويورك تايمز:rn
يبدو أن يوم الحساب، الذي تم التنبؤ به نهاية الأسبوع الأخير، قد تم تأجيله لكن مرتادي السينما المتعطشين للنشوة يمكنهم أن يجدوا العزاء – إن لم تكن الرهبة والدهشة والمادة لنقاش لا ينتهي- في فيلم "شجرة الحياة" وهو فيلم ترنس مالك الجديد الذي يتأمل في الوجود الإنساني من منطلق الأبدية. وقد حاز مؤخراً سيلاً من التمجيد الدنيوي بعد نيله السعفة الذهبية في مهرجان كان 2011. وهذا هو الشريط الطويل الخامس للسيد مالك خلال 38 سنة ،إذ تؤسس سلسلة مشاهده المثيرة رؤية لأصل الكون وتطور الحياة على الأرض (بضمنها بضعة ديناصورات مثيرة للعاطفة)،ثم بإيجاز أكثر وبحرفية أقل ،نهاية الزمان حين يقوم الموتى من كل الأعمار ويسيرون حول ساحل سماوي. في البداية والنهاية – ألفا و أوميغا- نحدّق في شعلة تومض ويمكن أن تمثل الخالق فقط . لا السيد مالك (الذي يفضل البقاء غائباً عن الأنظار) لكنه الإله المحيّر الذي يشكل حضوره موضوع الفيلم الصريح ومصدر الألغاز الأعمق والأكثر قلقاً. ومع صدقه الجذاب وبراعته المجازية المرعبة فإن فيلم "شجرة الحياة" يتأمل في بعض أكثر الأسئلة الصعبة الأشد إلحاحاً، من النوع الذي يجعل البالغين صامتين حين يسألهم الأطفال. في هذه الحالة ثمة صبي يتكلم إلى الرب بصوت هامس من خارج الشاشة، موجّه مباشرة إلى الرب الذي تكون استجاباته ملتوية ينقلها حفيف الريح في الشجر أو الظلال في غرفة النوم. أين أنت؟ يقول الصبي يريد أن يعرف ويصاحب هذا السؤال سؤال آخر: ماذا أفعل هنا؟ و"هنا" في هذه الحالة هي مدينة "واكو" في ولاية تكساس في الخمسينات من القرن الماضي ، شريحة من الواقع الدنيوي يكونها بتفصيل شديد مصمم الإنتاج جاك فسك ومدير التصوير إيمانويل لوبزكي. إن إخلاصهما الواضح لرؤية السيد مالك الدقيقة الخاصة – إذ حوّلا أفكاره بعناية إلى حقيقة سينمائية حية- ذوا طرائق مثيرة مثل الصور نفسها التي تجري وتتمايل بالنسبة للموسيقى السامية على حد سواء. ( الموسيقى التصويرية لإكسندر دسبالت الذي تحمل موسيقاه الخاصة صحبة موسيقى جميلة مهيبة لكوبرين وبرامز وبرليوز ،وهي جزء من القداس الكبير الذي يساعد على بلوغ ذروة النشوة السماوية). يكون الجمال البهي لهذا الفيلم ساحقا تقريباً لكن كما في الأعمال الفنية الأخرى التي تنزع نزعة دينية فإن أمجاده الجمالية مرتبطة بقصد متواضع وممجّد يلقي نور المقدس على الحقيقة الدنيوية. إن ما يكمن تحت المشاهد الخاصة بعلم الكون والمايكروبولوجي والأليجورة الروحية قصة مألوفة في الأقل ومهمة بالنسبة لتصميم "شجرة الحياة" كما في التحليقات التأملية التي تحيط بها. نحسّ بأننا نعرف عالم المروج المرتبة بعناية والبيوت المزينة التي تقع خلف الشوارع المظللة ونميزها تماماً كما نميز مباشرة العائلة التي تشغل حياتها الجماعية التسعين دقيقة المركزية من الفيلم أو ما يقارب. تنبع تفاصيل هؤلاء الناس – السيد والسيدة أوبرين وأبناؤهما الثلاثة- والمكان الذي يسكنونه من السيرة الذاتية للسيد مالك لكنهم يملكون أيضاً صدى ثقافياً ذا نموذج أصلي. إن هذه مدينة صغيرة في أميركا الخمسينات: قصة شَعر الأب ومئزر الأم والأبناء يلعبون ضرب الصفيح في الغسق الصيفي. هذه اللوحة إلى حد ما - الكلمات بالكاد تستطيع أن تفي حق نور الشمس العسلي الذي يجري عبر نوافذ المطبخ وينكسر من خلال رشاش الماء في الحديقة أو الإيقاعات الرقيقة للأطفال أثناء لعبهم- تقدم لمحة مثالية عن جنة عدن المفقودة. لكن من الخطأ ببساطة أن ننعم (أو نشخر) بنوستالجيا السيد مالك من اجل العالم المتلاشي لطفولته في عصر أيزنهاور. إن رؤيته المتجذرة في المسيحية الخصوصية وفي التقليد الرومانسي الأدبي وفقدان البراءة هي ليست حدثاً منفرداً في التاريخ بل بالأحرى بديهية للتجربة الإنسانية تتكرر في كل جيل وفي وعي كل فرد. التناقض الصارخ هو أن نموذج هذا الكون يكرر نفسه في ظروف فريدة دائماً. وهكذا فإن القصة المحددة البلوغ في فترة ما بعد الحرب والذكية في تقييمها للديناميكيات السيكولوجية لعائلة نووية في الجنوب الأمريكي في فجر عصر الفضاء هي أيضاً قصيدة غنائية عن إدراك الطفولة الحسي ووصف للسقوط الشديد في المعرفة التي تتكهن بنهاية الطفولة. إنها مثل قصيدة " تلميحات الفناء" لوردزورث منقولة داخل عالم " اتركه إلى بيفر" (فيلم مصنوع عام 1997) وهي معادلة غير كافية وربما لامعقولة لكني آمل أن تنقل الحد الكامل لاندهاشي وإعجابي. إن مركز أحداث الفيلم – عينا السيد مالك وأذناه وذاته الأخرى- هو جاك أوبرين., فنحن نلتقي به في البداية، بشخص "شون بن"، كونه مهندساً معمارياً في متوسط العمر يعيش بين ناطحات السحاب الوامضة والسطوح النظيفة فائقة الحداثة يطارده شبح الموت
ترنس مالك يطرح الأسئلة الوجودية الكبرى فـي (شـجــرة الـحـيــاة)
نشر في: 5 أكتوبر, 2011: 08:27 م