TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > نص ردن :وانـدهرنـا

نص ردن :وانـدهرنـا

نشر في: 7 أكتوبر, 2011: 08:25 م

 علاء حسن هل تحتاج مفردة "اندهرنا"   المستخدمة كثيرا بلهجتنا الدارجة إلى توضيح  لمعرفة معناها ؟ يكفي أن نسترجع ما تقوله الأم  حينما توبخ  احد أبنائها بقولها "دهر صابك" ، وهذا الابن كغيره من ملايين العراقيين أصابه الدهر ليس بنبوءة أمه ، ولكن بظروف وعوامل أخرى تتعلق بممارسة السلطة وأساليبها في ملاحقة معارضيها ،
 في زمن النظام السابق  ومع بداية تسخير جهود الإذاعة والتلفزيون لبث الأغاني والأناشيد المخصصة لمدح الرئيس والتغني بانتصاراته،حرف عدد من طلاب معهد الفنون الجميلة في بغداد،   وبجهود احدهم كان يدرس الموسيقى  وبعد خروجهم من نادي الفنانين  أغنية "وانتصرنا خطوة خطوة ويوم يوم " بجعل مفردة انتصرنا " اندهرنا "  وبعد دقائق استوقفتهم سيارة تابعة لأحد الأجهزة الأمنية وقتذاك،  وامضوا ليلتهم يتلقون شتى أنواع التعذيب، وطلب الاعتراف ان كانوا ينتمون لأحد الأحزاب "العميلة "، وفي صباح اليوم التالي أنقذهم والد احد الطلبة الموقوفين كان يعمل في مكتب إعلامي لأحد كبار المسؤولين .بعد  انقطاع استمر أسبوعا عن الدوام لحين اختفاء آثار الكدمات من الوجوه واكتساب الشفاء التام من الجروح والرضوض، استقبل طلبة المعهد  زملاءهم بالأسئلة و الاستفسارات، ولكن اصحاب الشأن التزموا الصمت باستثناء قول احدهم "اندهرنا " فالتفت إليه من كان معه في التوقيف ورده بكلمة "وانتصرنا " وبمرور مدة زمنية قصيرة اكتشف سر غياب الطلبة والفارق الكبير بين "انتصرنا" و"اندهرنا ".في احد الايام التقيت  واحدا من اولئك الطلبة "المندهرين" واصبح اليوم استاذا في الجامعة فأبدى امتعاضه من الاوضاع السياسية والامنية ، وقال انه لم يجد متغيرا بعد سقوط النظام السابق  سوى  الحصول على حرية  شتم المسؤولين والشخصيات السياسية باستثناء الرموز الدينية، و"اندهرنا " هذه المرة بشكل مقصود، لان احلامنا تبددت وامانينا تلاشت في ان نعيش بوطن يحترم إنسانيتنا ،نتيجة تعرضنا لموت مجاني وبشكل يومي،  وتوظيف معاناتنا في اكاذيب رخيصة ،  يستخدمها دعاة الدفاع عن حقوق الشعب. وما قاله ايضا في اثناء دقائق الكشف عن همومه وحزنه العميق،  البعض يتصور ان شتم المسؤول او السياسي هو المظهر الحقيقي للحرية،  ويتجاهل دور حرية التعبير في توطيد وترسيخ الديمقراطية  والنظام الذي لا يحترم المسرح والنحت والرسم والموسيقى  والغناء ، وينظر الى الفنون نظرة مريبة ويعدها من المحرمات يقطع صلة الشعب بالحياة .اعرف محدثي بأنه واحد من الموسيقيين البارزين ، توفرت له فرض السفر والإقامة في دول الجوار  بعقود عمل للتدريس بمعاهد فنية ، لكنه فضل الإقامة في جحيمه كما يقول، مستسلما  لبقايا امل ضعيف  عسى ان يسعفه في يوم ما ليقول لمن سخر من فنه ان الموسيقى لا تستحق  كل هذا العداء،  لانها كانت ومنذ زمن بعيد عنصرا حاضرا في الطقوس الدينية، وعلى انغامها  تتقارب الشعوب، ومن يقف ضدها سيجعلنا نصرخ بصوت واحد و"اندهرنا".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram