شيماء خورشيد غابت المفاهيم والممارسات الديمقراطية عن الواقع العربي لفترة طويلة من الزمن بعد أن شهدنا تحكم الأنظمة الدكتاتورية بالمنظومة القانونية والدستورية للبلاد. واليوم تجد بعض التجارب العربية نفسها أمام استحقاق جديد فرضته عليها حركة الاحتجاجات والتظاهرات التي اجتاحت الساحات العربية.
فبعد أن عاشت المنطقة العربية لعقود طويلة بعيدا عن التحولات الديمقراطية التي تحدث في العالم تشهد اليوم بوادر التغيير في بعض التجارب كالتجربة المصرية والتونسية، بينما تبدو الأمور أكثر صعوبة في دول أخرى والتي مازالت تشهد مخاضا عسيرا لثورات يقودها أبناؤها ضد دكتاتوريات قوية قد أحكمت سيطرتها بقبضة فولاذية يصعب معها نجاح الثورة. ولكن السؤال هنا ما هي طبيعة النظم التي ستحل محل الأنظمة الاستبدادية التي سقطت والأخرى التي في طريقها إلى السقوط ؟ وكيف سنعمل على بناء الدولة الديمقراطية الجديدة؟ الجواب على هذا السؤال تحدده أشياء كثيرة أهمها :الآليات التي سيتم من خلالها بناء الدولة الجديدة ،ونقصد هنا آليات الإصلاح الذي تحددها وتتحكم بها القوانين والأنظمة التي يتم اعتمادها في إعادة بناء الدولة والمؤسسات الحكومية ،وفي مقدمة هذه الإصلاحات (الدستور) الذي يجب أن يكتب بصورة تتلاءم مع التغييرات الديمقراطية الجديدة التي طرأت على الساحة حيث لابد من اعتماد مواد وقوانين تطلق سراح الحريات المكبلة وتجرد الحكام من القوانين التي كتبوها لتحمي تواجدهم في السلطة وتمكنهم من الاستمرار في المنصب إلى مالا نهاية وتحمي مصالحهم، كقانون الطوارئ والمواد الدستورية الخاصة بترشيح رئيس الجمهورية وطبيعة النظم الانتخابية المعتمدة في البلاد. هذا من جانب ومن جانب آخر على القوى السياسية المتواجدة في مرحلة التحول أن تسعى لطرح مفاهيمها الديمقراطية وتعمل على إخراج المجتمع من عقد كثيرة، منها: عقدة الخضوع للحاكم وللحزب الواحد والانتقال به إلى التعددية الحزبية واتساع مساحة المشاركة السياسية. ويتحتم على هذه القوى وخاصة الليبرالية والعلمانية منها ترسيخ مفاهيم وقيم المواطنة والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وحرية الرأي والرأي الآخر والتعايش السلمي وتداول السلطة وأشياء كثيرة غابت عن المنظومة القيمية لفترة ليست بالقصيرة، لذلك يتحمل المثقف والسياسي العربي إعادة تأهيل المجتمع ليستوعب هذه المفاهيم لنتمكن من التمهيد في المرحلة الانتقالية لبناء دولة ديمقراطية لها أساس متين ودعائم قوية بعيدا عن أخطاء الماضي وآلياته القديمة. من هنا ندرك بأن بداية الإصلاحات السياسية يجب أن تكون عبر إصلاح المنظومة القانونية والدستورية ،وهذا ما حصل في مصر حيث تم تعديل بعض المواد الدستورية التي لا تتلاءم مع التغيير الديمقراطي الجديد وطرحت لاستفتاء شعبي منحها الشرعية، إلا إننا هنا نريد أن نؤكد حقيقة مهمة وهي أن الدستور كتب لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للشعوب وهو ليس كتابا منزلا من السماء ،لذا يمكن للحكومات والشعوب المطالبة بتعديله أو تغييره بما يتناسب مع تحقيق حياة حرة وكريمة للمواطن الذي يعيش في تلك الدول. وما حصل عبر العقود الماضية نجد أن الحاكم الدكتاتور هو الذي قام بالتعديلات التي تخدم مصالحه وتخدم بقاءه في السلطة وتمنحه الحق بقمع أي مطالبات بالتحرر من قبضته الفولاذية،حيث سعى لإبقاء قانون الطوارئ على مدى فترة حكمه إضافة إلى تعديلات دستورية في ما يخص شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية وطبيعة النظم الانتخابية بما يتلاءم مع مصالحه الضيقة بعيدا عن مصالح المواطن. خلاصة القول: إن التجارب الديمقراطية الجديدة يجب أن تسخر كل طاقاتها من أجل تهيئة الأرضية المناسبة لولادة الديمقراطية من خلال ترسيخ المفاهيم الجديدة لدى المواطن،وهذه مهمة السياسي والمثقف إضافة إلى منظمات المجتمع المدني والإعلام الوطني الحر الذي لابد له من دور مهم في غرس هذه المفاهيم عبر وسائله المختلفة الحديثة منها والقديمة من اجل أن نؤسس جميعا لأنظمة ديمقراطية ونضمن عدم عودة الدكتاتورية إلى بلداننا مرة أخرى.
آليات بناء دولة المؤسسات
نشر في: 9 أكتوبر, 2011: 07:59 م