ترجمة: نجاح الجبيلي اعتمد فيلم (أكاتوني)، وهو الفيلم الأول لبيير باولو بازوليني، على روايته (حياة عنيفة) إذ حوّل البطل من مثلي إلى سمسار فاحش، لكن كلا العملين يركزان على اليأس الموجود في حياة الأحياء الفقيرة في روما. وهو العالم الذي كان الشاعر الموهوب يعرفه جيداً ،وقد كتب العديد من القصائد والروايات عن الطبقات السفلى بعد أن جاء إلى روما عام 1949. وقد ميّز فلليني بشكل أكيد مواهبه وأشركه في كتابة الحوار في فيلمي "ليالي كابريا" و "الحياة حلوة" ولكونه ماركسياً -كما يصرّح- فهو يتحرى على نحو مطرّد القضايا الأيديولوجية والسوسيولوجية في أعماله وهذا الفيلم الأول له ليس استثناءً.
يحمل فيلم "أكاتوني" تقليد الواقعية الإيطالية الجديدة كما جسدت في أفلام مثل" تلميع الأحذية" و"سارق الدراجة" و "روما مدينة مفتوحة" لكنه يقدم صورة أكثر عتمة من أفلام روسلليني ودي سيكا. إن بطل الفيلم فيتوريو أكاتوني (الذي جسده فرانكو سيتي في أول ظهور له) لم يعمل أبداً في حياته وهو يحصل على لقمة عيشه نسبياً من عمله سمساراً لصديقته "مادالينا" (قامت بالدور سلفانا كورسيني)، لكن حين تدخل السجن سرعان ما تتدهور أسباب عيشه. يسوقه الجوع إلى العمل بشكل يائس يوماً واحداً ويبحث عن زوجته السابقة أمام رفض أخيها الغاضب وتهديداته. ولم تثبط همته إذ يستعمل سحره في التودد إلى ستيلا العذراء (تؤدي الدور فرانكا باسوت) ويؤثر عليها في أن تؤدي نفس دور أمها الذي اتخذته كي تكسب عيشها.كل الشخصيات تظهر واقعة في شرك أدوارها في الطبقة السفلى والتي تبقى في الجوهر نفسها منذ بدء المدنية. وبسبب سيطرة الفقر ودافع البقاء فإن الرغبة بالموت كان يجري التفكير بها لكنها أصبحت في الواقع مرحباً بها كمهرب من العصر الوحشي. حتى أنها – أي الشخصيات- تلعب "ألعاب الموت" مثل الرهان في مفتتح الفيلم بأن أكاتوني لا يستطيع أن يأكل البطاطا ملء بطنه وفي الوقت نفسه يسبح في نهر تافري مباشرة بعد الأكل. إن رؤية بازوليني السينمائية عن روما والطبقات الدنيا فيها هي أكثر جرأة من المعالجات الأخرى ،وهذا ليس فيلماً لأي شخص يتوقع رؤى مصقولة ومنظمة عن الفقر. تستدعي المشاهد الفردية أفكارا شعرية – ويرد بعضها إلى الذهن بالإطارات الجميلة التي التقطت في بيت العائلة الصغير إذ يلقي ابن أكاتوني الصغير الذي يشعر بالغربة بالأحجار على قناني زجاجية وهي "اللُعب الوحيدة" التي ظل يمتلكها. كما في أفلام الواقعية الإيطالية الجديدة فإن التصوير في الموقع "اللوكيشن" يعطي مزيداً من المصداقية كما هو الحال في إناطة الأدوار إلى ممثلين غير محترفين. وباعتبار أن هذا الفيلم هو الأول الذي يخرجه بازوليني فإن ذلك يجعل منه أكثر إثارة للاهتمام.جرى تنفيذ الفيلم بشكل مثالي ولم ينقب بازوليني عميقاً تحت سطح الفقر وأحياناً يعتمد على المسار الصوتي الذي يضم نغمات باخ المتنافرة كي يضفي الجوهر العاطفي والروحي على صوره لكنه لا يفرط في تعاطفه مع الشخصيات ومواقفها. تركز كاميرته بشكل كبير على البطل وتظهر كلاً من طبيعة الخير والشر فيه دون الحكم عليه وتسمح للمخرجين الآخرين باكتشاف موهبة سيتي في التمثيل. إنه يؤسس لحضور الفيلم،ووحده بين الممثلين الرئيسيين يستمر بمهنة طويلة في التمثيل.لقد رسخ فيلم "أكاتوني" مكانة بازوليني كموهبة بارزة في الإخراج وهو لا يتردد عن رسم الصور الواقعية للجانب السيئ من الحياة. إن الشعراء الطموحين مقدّر عليهم إثارة الجدل وبازوليني يندفع لخلق مجموعة من الأفلام عن الطبقات السفلى في روما وهذا الفيلم أولها.
"أكاتوني" الفيلم الأول لبازوليني
نشر في: 12 أكتوبر, 2011: 05:11 م