لندن/ خاص بالمدىاختتم، قبل أيام، مهرجان "رين دانس" السينمائي للأفلام المستقلة دورته التاسعة عشرة. إذ يعتبر أحد أهم المهرجان السينمائية الأوربية التي تبحث عن الأصوات والتجارب المتفردة، والقادمة من مختلف بقاع العالم.
ذلك كما يقول القائمون عليه، فان ستوديوهات هوليوود وشركاتها العملاقة قد أغلقت الأبواب تماماً في وصول الفيلم المستقل إلى مشاهد أعيته فذلكات تلك الماكنة المكتسحة للأسواق والأذواق. وعليه، فقد اجتهدت إدارته باستقدام اشتغالات سينمائية، طويلة وتوثيقية، من 36 بلداً لعرضها وسط العاصمة البريطانية لندن.- وشهدت العروض، التي استمرت من 28 أيلول/سبتمبر ولغاية 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، حضوراً طاغياً من أبناء الجاليات المقيمة في العاصمة البريطانية لندن. ومثلما وجدت السينما القادمة من أوربا والأميركيتين والشرق الأدنى، فقد كان للحضور العراقي تميزه. وعبر باكورة قتيبة الجنابي الروائية "الرحيل من بغداد"، ومثله الشاب جعفر عبد الحميد "ميسوكافيه". ولئن اشترك الشريطان بكونهما العمل الأول، فان الهرب من رعب الوضع العراقي كان "الثيمة" الرئيسة لهما.- في "الرحيل من بغداد" حقق الجنابي حلمه القديم. وعبر عمل، كتب نصه، يقتفي فيه قصة مصور الديكتاتور صدام حسين الشخصي وهربه من بلده. والهرب من جحيم النظام السابق لا تحتاج إلى أسباب، ذلك إن العراقي وقتها متهم إلى أن يثبت براءته. محنة المصور صادق مركبة، فهو أب لشاب منتم إلى الحزب الشيوعي العراقي واختفت أخباره. أما زوجته فقد استقر بها المقام في لندن. فيما بدت تحوم حوله الشكوك بعد أن ذاق طيب العيش من مكرمات الرئيس وسلاحه الصمت.- مقابل ذلك تتكشف لصادق حقيقة النظام الوحشية. حقائق كان يداريها بالتدليس مرة، وأخرى بالرعب من مجهول سيلف مصيره. لم تدم اللعبة طويلاً، فقد وجد أن كاميرته تحمل إثم من صورهم خلال حفلات التعذيب. فضلاً عن طرده من الحزب لشكوك في ولائه. فيقرر الهرب بجواز سفر مزور إلى خارج العراق. وهنا ينتقل الشريط إلى أوربا الشرقية، هنغاريا، حيث نتابع حيرة صادق المعوز والباحث عن خيط نجاة يوصله إلى محطته النهائية حيث تقيم زوجته. وحيرة العراقي في مثل هذه الظروف هي حيرات واحدة تفتح على الأخرى. عمد الجنابي إلى ترك نهاية قدر المصور صادق مفتوحة تحمل خطايا الكاميرا التي حملها مرة، وأخرى عندما أراد بيعها لسد رمقه وحاجته للمال.- ورغم أن الجنابي حقق شريطه بميزانية متواضعة، وبجهود شخصية كادت أن تطيح به صحياً. إلا انه قدم عملاً سينمائياً ناضجاً، سجل فيه حقبة سوداء من تاريخ العراق، بضحاياه وجلاديه ومعارضيه ولأول مرة. من دون أن ينسى أن يهدى باكورته إلى والده الشهيد. بالمقابل جاء عمل المخرج الشاب جعفر عبد الحميد يضرب على المنوال نفسه، السياسة والمنفى والحنين إلى الوطن الأول. وفيه متابعة لبطله يوسف الذي يقرر ترك العراق في عام 2003 ظناً منه بقدرته على تنظيم حملة دولية ضد غزو بلده. ومثل هذا الظن الساذج جاءه بفعل احتفاظه بعلاقات طيبة مع الوسط الإعلامي البريطاني من خلال مراسلاته السرية أثناء وجوده في بغداد.- لكن قرار الحرب قد اتخذ، ما يدفع يوسف إلى التعرف على الجالية العراقية عبر التردد على مقهى اقتبس الشريط اسمه منها. ولكي يعوض المخرج فقدان شخصيته الرئيسية لوطنه تظهر الشابة بيسان لتكون المعادل الرمزي لذلك الخسران. شريطا الجنابي وعبد الحميد يؤكدان أن هناك أصواتاً سينمائية تعمل بصمت، رغم صعوبته، من دون الحاجة إلى عطايا مؤسساتنا العراقية المعنية بهذا الشأن.
مهرجان"رين دانس"للسينما المستقلة..الجنابي يقدّم فترة مظلمة من تاريخ العراق
نشر في: 12 أكتوبر, 2011: 05:16 م