TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قراءة النصوص وفلسفة الدلالة

قراءة النصوص وفلسفة الدلالة

نشر في: 12 أكتوبر, 2011: 05:24 م

(الحلقة الخامسة) القسم الاول |  2  | آية الله العلامة السيّد عمّار أبو رغيفرابعاً - المنظومة الإشارية اللغوية لا تستقر فيها الدلالات وتتخذ وضعها الحقيقي [الذي هو بدوره قابل للتحول والنمو] إلاّ بعد المرور بسلسلة من التحولات والتطوّرات، تتجلّى الدلالة عبر هذه التحوّلات على مستويات متعددة، قد تبدأ من المظهر الدلالي للمفردة، حيث تشكل حينها الكلمة اشارة إلى مفهوم جزئي منفرد، لكن الدلالة هنا لا تمثل الدلالة الأساسية للكلمة، التي يسطر اللغويون في قواميسهم معناها،
 بوصفه المعنى الحقيقي، الذي يجري التداول والاستخدام بالمواضعة الضمنية عليه. إنّما تأخذ الدلالة الوضعية شكلها بعد أن يتطوّر استخدام المفردة أنواع الاستخدام المتعدّدة في اطارها الجزئي، حيث يتنقل الطفل في تطبيق اللفظ على المدلول في حالاته المختلفة، ويستخدم اللفظ بدلالته المثقلة المحدودة بالأوصاف في جمل، ثمّ يتمرّس بتحرير اللفظ من قيود الأوصاف اللصيقة بالأشياء، ليقتنص الدلالة العامة للفظ على المدلول الذي استطاع تجريده من الخصوصيات التي لصقت بمفرداته. فعلى سبيل المثال: يتعرّف الطفل على كلمة «قلم» من خلال القلم الذي شاهده مرّات متعددة، في المرحلة الأولى يرتبط لفظ القلم بما تم مشاهدته من سمات حسية قائمة في القلم الذي تكرّرت مشاهدته، ثم يطرق مسامعه اللفظ وهو متصف بصفات مختلفة أخرى من لون وحجم، وهكذا... ثم يستخدم الكلمة في سياق الجمل قبل أو بعد تجريدها من سماتها اللصيقة بها ليطلق أخيراً لفظ «القلم» على المفهوم المشترك العام الذي استقرت الدلالة عليه.إذن حينما يدخل اللفظ كمظهر صوتي ومؤشر مادي عالم الدلالة فسوف يكون صالحاً لعدّة مستويات من الدلالة، ولا يبدأ النظام الاشاري اللغوي بالاستقرار النسبي على مستوى الدلالة الأخيرة إلاّ بعد مروره بمستويات أخرى من الإشارة والدلالة. وهنا يمكن أن نستعجل بطرح الاستفهام التالي: إنّنا إذا ذهبنا مذهب القائلين بأن الدلالة لا تنعقد إلاّ في سياق، وأن الكلمة ذات الدلالة هي الكلمة في جملة، فهل ستفقد المفردة معناها القاموسي، وهل ستنحصر الدلالة بالدلالة التصديقية، وتفقد الألفاظ دلالتها التصورية؟ الاجابة على هذا الاستفهام ينبغي أن نؤجلها إلى موقعها المناسب في القادم من فقرات هذا البحث، حيث نعالج «نظرية التعهد» في تفسير الوضع، التي جاءت في كلمات المحقق النهاوندي وطرحتها أبحاث السيد الخوئي بقوّة ووضوح. خامساً - إذا عدنا إلى قضية الصلة بين الفكر واللغة، وتفسير طبيعة العلاقة بين اللفظ والمعنى، واسترجعنا النقاش الذي أشرنا إليه في ما تقدّم حول تفسير الوضع واستقرار عقد دلالة اللفظ على المعنى بالاتحاد و الهوهوية، والاعتراض على هذا التفسير بأن اللفظ والمعنى وجودان يشع كلّ واحد منهما صورته فكيف نستطيع التصديق باتحاد الصورتين حقيقةً رغم تعدّد ذي الصورة؟ القائلون بانصهار اللفظ في المعنى واتحاد هويتهما لا يريدون القول أن الذهن البشري لا يمتلك إلاّ مفهوماً واحداً للبقرة ولا يستطيع التمييز بين ما هية البقرة (المدلول) وماهية اللفظ (الدال). وان اللفظ كوجود مادي (صوت) تتحّد صورته مع صورة مدلوله سواء أكان مفهوماً صرفاً أم صورة لكيان مادي؛ حيث أن هؤلاء لا يتحدثون عن المظهر الصوتي للغة و المظهر المجرّد للمفاهيم والمعاني والأفكار. إنّما ينصب حديثهم ويطرحون تفسيرهم للعلاقة بين الفكر كمدلول وبين اللغة كدال، بين اللفظ والمعنى. أي انّهم يتحدثون عن عقد الدلالة، وعن طبيعة العلاقة بين الدال و المدلول.وتحسن الاشارة هنا إلى أن السيد الخوئي أثار النقاش مبكراً حول نظرية الاتحاد وفناء اللفظ في المعنى، فذكر ملاحظة قريبة لما طرحه لاحقاً السيد الحائري في‏ها مش تقريره لبحث أستاذنا الشهيد الصدر، حيث قال السيد الخوئي: «فالوضع مقدمة للاستعمال والدلالة، ومن الواضح أن الدلالة اللفظية إنّما تكون بين شيئين أحدهما دال والآخر مدلول، فاعتبار الوحدة بينهما بأن يكون اللفظ وجوداً للمعنى أيضاً لغو وعبث.»( )وسنقف عند هذه الملاحظة في سياق درسنا لنظرية التعهد التي تبناها السيد الخوئي تبعاً للمحقق النهاوندي في كتابه «تشريح الأصول»، والشيخ عبد الكريم الحائري في كتابه «درر الفوائد». هناك رأي - تقدمت الاشارة إليه - افرط في تفسير طبيعة الاتحاد ين اللفظ والمعنى، فذهب إلى أن الفكر ما هو الا كلام صامت، وانكر على الفكر أي طابع مجرّد، بل أكد ماديته، وانه عمليه تصويت صامت، تبدأ من الايعاز العصبي المادي للدماغ وتنتهي بالأوتار الصوتية. هذه هي نظرية المدرسة السلوكية في علم النفس، التي ذهبت بالمذهب المادي حتى نهايته المبتذلة، وآمنت بالتجربة بمفهومها المتطرف الذي جثم على العقل الحديث في عالم الغرب. لم يَعُد هذا اللون من الاسراف مقبولاً في ميادين المعرفة المعاصرة، ويكاد تفقد هذه النظرية ظهيراً بين حصافة الباحثين بما فيهم أنصار المذهب التجريبي, على أن الفصل بين اللغة والفكر بدوره لم يعد أمراً ملائماً لمعطيات البحث العلمي الحديث. حينما يطرق سمعي صوت كلمة [Home] الانجليزية، وأنا لا أعرف هذه اللغة ودلالة الكلمة فسوف تحضر صورة صوتية في ذهني للكلمة، دون وعي معناها. لكن العارف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram