هاشم العقابيغالبا ما يحدث خطأ في التمييز بين مفهومي الدولة والحكومة. فالحكومة تعد قطاعا من قطاعات الدولة، وليست هي الدولة كما يتصور اغلب الناس. وهذا التصور الخاطئ اضعف هيبة الدولة وضخم مكانة الحكومة. لذا نجد ان انتقاد الحكومة أو حتى تنبيهها لأخطائها صار من المحرمات لا بل من الجرائم الكبرى في عراق اليوم. الحكومة يجب ان تكون حارسة للدولة وخادمة لها وليس العكس.
فلو تخيلنا افتراضا ان الدولة بناية، فأعضاء الحكومة جميعا يجب ان يكونوا حراسا لحماية تلك البناية وان يحرصوا على ادامتها وتنظيفها وتوفير ما يحتاجه ساكنوها من خدمات. ورئيس الحكومة في البلدان الديمقراطية، مهما اضيف له من القاب رنانة مثل سعادة ودولة وفخامة، ما هو بالمحصلة النهائية الا رئيس للحرس أو الخدم ليس اكثر ولا أقل. وعليه قبل ان يحسن اختيار الحراس والخدم ، أن يجيد هو بنفسه مهنة الحراسة وخدمة الناس وان يكون اكثر تيقظا ونظافة من باقي الحرس والخدم. ولو أتيح لي هنا ان ابسط افتراضي أكثر، فاني سأعتبر البناية هي بيت رئيس الحكومة نفسه. فكيف سيختار حراسا وخدما لبيته؟ قطعا سيقابلهم ويسأل عنهم ويمتحنهم ليتأكد من كفاءتهم وولائهم. امر طبيعي ومنطقي أيضا. لكن ماذا سيفعل لو ان جماعة مسلحة اخترقت بيته وعاثت به فسادا؟ ثم، لاسمح الله، انها قامت بقتل بعض من أولاده أو فجرت بيته وجعلته حجرا على حجر؟ فهل سيتردد بالاعتراف امام أولاده وزوجته بأنه لا يجيد فن وعلم الحراسة ولا اختيار الحراس، وعليه ان يترك تلك المهمة لغيره؟ اظنه سيعترف.لأعود بافتراضي الى ارض الواقع وأتساءل: ألم نكن نحن قد اخترنا رئيس الوزراء ليحرس دولتنا (بيتنا)، بعد أن أنطنا مهمة اختياره بيد نواب انتخبناهم بانفسنا وخولناه حق اختيار حراس للبيت؟ انظروا ما حل بالبيت الذي أمنّاه على حراسته. كم مرة قد اخترق واحترق؟ وكم طفل قد اختطف منه وامرأة قد اغتصبت في عقره؟ وكم وكم من انسان أٌريق دمه بالسيوف والمفخخات والكواتم؟ ست سنوات أو اكثر من توليه رئاسة الحرس، وبيتنا العراق ما يزال ينزف دما وتعط منه رائحة الموت ويلفه الظلام من دون ماء أو كهرباء. ألا يبيح لنا ذلك ان نعترف بأننا أخطأنا باختيار رئيس الحراس؟ في مهرجان للشعر الشعبي عقد في العام 1971 بالعمارة لام الشاعر مجيد جاسم الخيون حزبه الشيوعي على عدم حسن اختياره لحارسه بقوله: "طلع حارسكم بلوشي بطرك مكواره".كان شاعرنا جريئا صادقا مع نفسه وحزبه حين حمل الحارس، الذي هو القيادة، ما مر به الحزب من ازمات. فهل سنتملك جرأته وشجاعته ونصرخ بوجه حراسنا الذين قصروا باداء واجباتهم ان: ارحلوا؟ والأهم من ذلك: هل سنحسن اختيار الحراس ؟ حقا لست أدري !
سلاما ياعراق : الحراس
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 12 أكتوبر, 2011: 09:34 م