د. فالح الحمرانيموسكوتقف عوامل كثيرة داخلية وخارجية أمام إحداث نقلة إصلاح وتطوير في المجتمعات العربية، بيد ان استثار الزعماء والنخب بالسلطة في معظم الدول العربية هو العائق الجدي امام تطوير البلدان العربية وحتى تحقيق التقارب والتكامل بينها، وينسف المشاريع الوطنية والعربية المشتركة. ان الكثير من الانظمة العربية التي تتداول السلطة بطرق غير شرعية او جاءت عن طريق الانقلابات وكسبت شرعيتها بالوعود والتحالفات مع احزاب البلد، تتخلى عن مبدأ المشاركة الواسعة لمختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية والاحزاب والتيارات السياسية حال شعورها بترسيخ مواقعها واستمالة مؤسسات القوة واحتكارها.
وتستأثر دائرة محدودة جدا السلطة، تتبنى القمع الذي توظفه توظفاً لاستدامة وجودها في سلطة الآلة العسكرية وحتى الاساليب الوحشية وكم الافواه وتصفية تلك القوى التي كانت متحالفة معها،. بيد ان التجارب التاريخية برهنت على ان هذا الاسلوب يؤدي الى طريق مسدود سياسيا، ولا يعمل على تحقيق برامج التنمية والتطوير ولايساعد على تحسين الظروف المعيشية واستثمار الثروات لصالح المجتمع ويضع المقدمات لانهيار اي حكم، ويناقض ايضا الطموحات باستئناف الانسان العربي دورة في البناء الحضاري على اسس جديدةان استئثار الزعماء والعوائل وما تتحلق حولها من نخب بالسلطة، عادة ما تؤدي الى تعويم العملية السياسية والاجتماعية بعمومها واقامة مناخ الركود والجمود. ويتطلب هذا المناخ لاستمراريته خنق الطاقات الفكرية والمبدعة في المجالات الاقتصادية العلمية والادبية والانسانية عموما.وتشل وتخنق المبادرة الاجتماعية قبل ان تزرع.وتبرز البطانات المنتفعة التي تروح تتحذلق وتنافق وتخون حتى ضميرها لترسم صورة جميلة غير واقعية للحالة الاجتماعية في ذلك البلد، وتبالغ في اظهار الرضا والارتياح الاجتماعي وتبرير كل سقطات السلطة. وتفقد القوى الفاعلة والناشطة في المجتمع بظل هذه الاجواء عزيمتها وحيوية روحها. ولا يظل امامها سوى شعور الاحباط والتهميش. ويسقط الاكثر مبادرة وابداعا وعلما ونزاهة واخلاصا من ابناء البلد ضحايا على مذبحة الاستئثار بالسلطة. نعم تبقى السلطة بيد الذين يستأثرونها ويغدقون بالعطايا على من تحلق حولهم، ولكن يظل هاجس عدم الاستقرار يلاحقهم.ان الدول الواقعة تحت انظمة النخب والجماعات والبطانات ستظل تتبنى سياسيات خارجية ليس من منطلق المصلحة الوطنية، مرحليا او استراتيجيا، لانها تنطلق دوما من حرصها على البقاء في السلطة. وليس هناك سبب للاستغراب ان تذهب هذه النخب لتقديم مساومات او حتى تنازلات على حساب بلدها ومصالحها، حينما تشم ان القوى التي امامها قادرة على تقديم الدعم المطلوب حينما تصبح كراسي الحكم مهددة. ولاتتوانى بهذه الحالة في الخيانة القومية او الدينية او في آخر الحالات الطبقية. ان السلطة هو هاجسها الرئيس والاخير، الذي تبرهن على انها مستعدة للتضحية بالغالي والنفيس من اجله. أن اغراء السلطة والنفوذ عادة ما يدفع بتلك الانظمة والنخب حتى لخيانة القيم الروحانية والاخلاقية والتقليدية التي تعلن الايمان بها. فعادة ما تلجأ الى تخوين التيارات والقراءات الاخرى، وتنشر البراهين على مشروعية احتكارها صنع القرار الخاص بمصير الشعب/ الامة. وتلوح بأن لديها " صك غفران" بذلك، قد تجند لشرعنته اصوات ذات نفوذ اجتماعي او انها تعتقد بذلك.ولاتهاب اخلاقيا من التملص من التعهدات والاتفاقات التي كانت عقدتها مع جناح آخر، حزب او تيار او منظمة سياسية او اجتماعية،من منطلق ان لكل مرحلة ظروفها، ما دام ان المسألة تتعلق اساسا بآلية البقاء في السلطة. يجد منظرو هذا التوجه اساسا لديمومته ويعتبرونه ضرورة او ربما حتمية تاريخية للمرحلة.ويعزوه لكون ان هذا النمط من الانظمة يتناسب ومستوى التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للبلد. وان اتاحة المجال للقوى الاخرى بالتحرك في هذا الاطار سوف يؤدي الى الفوضى الانفلات. وعملية التطور يجب ان تكون تدريجية، خطوة فأخرى، من اجل ان تكون سلوكاً اجتماعياً. وان اي تحرك اصلاحي ينبغي ان يأخذ بالاعتبار ذهنية المجتمع وموروثة الثقافي / الحضاريان المجتمعات العربية تمر بمرحلة مخاض عسيرة متواصلة على مدى عقود من الزمن. وجربت الدول العربية مختلف الانظمة بيد ان أياً من هذه الانظمة لم يحظ بشعبية واسعة ترشحه لأن يكون النظام الذي يمكن ان يقتدى به،وعلى الانظمة التي تؤمن بالتطور والاصلاح التدريجي ان تبرهن بالعمل اليومي على انها فعلا تنفذ هذا البرنامج وتسهر على تطبيقه ولتحدد ثمار عملها وجهودها بالفعل ان عملية التطوير تستدعي من بين قضايا اخرى مشاركة المجتمع مشاركة فعالة وحيوية فيها، من خلال فتح الباب واسعا على تأسيس منظمات المجتمع المدني والحركات السياسية البديلة وإتاحة المجال للشرائح المثقفة في مختلف مجالاتها لتقول رأيها، في ظل دولة يشعر الجميع بافتخار للانتماء لانها نتاج جماعي.ان العملية السياسية الجارية في العراق وضعت أسساً جديدة في الخارطة السياسية الوطنية والاقليمية، من اجل بناء دولة القانون والمؤسسات المنتخبة، وخلق الدعائم اللازمة لتفوق القضية الوطنية والانتماء للوطن على ما عداها من الانتماءات. ان العملية السياسية تجابه اليوم تحديات خطرة وتهدد بالانحراف عن مسارها الذي حدده الدستور والقوانين المنبثقة عنه. ان تحقيق العملية السياسية الجارية اهدافها المنشودة يتطلب من القوى السياسية الفاعلة التحلي بالمسؤولية والتخلي عن الذهنيات الضيقة الحزبية والطائفية والمذهبية والاقاليمية والارتفاع فوقها للالتزام بالوطن الع
الاستئـثــــــــار بالسـلـطــــة كــ"مشـكـلـــــة" عـربــيـــــــة
نشر في: 27 سبتمبر, 2009: 07:31 م