□ بغداد/ خلود رمزي أموال طائلة تلك التي أنفقتها المنظمات غير الحكومية الوهمية في العراق قبل ان يتم اكتشافها وتختفي عن الأنظار. بعض من رؤساء تلك المنظمات فرّوا إلى دول أخرى مع ما غنموه من أموال وما تقاضوه من المواطنين لقاء تقديم خدمات وهمية.
نشأت معظم منظمات المجتمع المدني في العراق على إثر القرار 45 الذي أصدره الحاكم المدني في العراق بول بريمر عام 2003 الخاص بالمنظمات غير الحكومية، وظهرت معه مئات المنظمات "الوهمية" أو "الشبحية" كما يصفها عراقيون. قرار الحاكم المدني منح الحق للأفراد والتجمعات المدنية بتشكيل منظمات لتقديم المساعدة للمواطن في المجال الذي تختص به، لكنه أسهم في الوقت نفسه بظهور منظمات وهمية كثيرة، نظرا لشروط التسجيل "المتساهلة" التي وضعها.فأنشِئت مئات المنظمات وأهدرت ملايين الدولارات المخصصة لها من منح دولية. فضلا عن الأموال التي استحصلتها من المواطنين على شكل "تبرعات" أو "رسوم" بذرائع مختلفة. وتقول أنسام العبايجي المدير السابق لدائرة تسجيل منظمات المجتمع المدني في وزارة التخطيط أن عدم التدقيق في حقيقة وجود مقر كان "أحد الأسباب التي أنشأت منظمات هي مجرد حبر على ورق، ولم تقدم أية خدمات رغم استلامها لمبالغ الدعم".واستقبلت العبايجي أثناء فترة توليها منصبها في العام 2004 مئات من الشكاوى من مواطنين جراء عمليات تلاعب قامت بها منظمات غير حكومية.وتقول إن "بعض المنظمات استلم مبالغ من المواطنين ومنحهم وصولات بحجة توزيع الأراضي والشقق عليهم أو استخراج منح مالية لشريحة معينة منهم".ولا تتوفر لدى العبايجي أو لدى أي جهة رسمية إحصائية كاملة عن عدد المنظمات الوهمية التي تم اكتشاف أمرها حتى اليوم. وآخر تصريح في هذا الصدد جاء على لسان حسين الصافي المدير العام السابق لدائرة منظمات المجتمع المدني في مجلس الوزراء في تموز (يوليو) عام 2009 حين قال أن هناك 300 منظمة وهمية تم إغلاقها.وقد سبقه وزير الدولة السابق لشؤون المجتمع المدني العراقي ممو فرحان عثمان الذي تحدث في 2005 عن "وجود 2000 منظمة نسوية وهمية كانت تستحوذ على مساعدات الدول المانحة من دون وجه حق".أحد أبرز المنظمات الوهمية التي عرفتها بغداد كانت "منظمة الأمين للإسكان"، وقد وردت بحقّها عشرات الشكاوى من مواطنين بعدما قامت بتوزيع أراضٍ لقاء رسوم محددة، قبل اكتشاف عائدية تلك الأراضي إلى الدولة العراقية. منظمة "الأمين" التي اختفت كليا عن الأنظار في أواخر العام 2005 وزعت أكثر من 500 قطعة أرض في بغداد على الصحفيين والمواطنين شيد بعضهم بيوتا فوقها، وهم يرفضون اليوم التنازل عن الأرض بذريعة أنهم دفعوا الرسوم المطلوبة منهم للمنظمة، وأن الحكومة هي المسؤولة عن محاسبتها.وإلى الآن وبعد مرور أكثر من ست سنوات يطلق أهالي بغداد وسائقو سيارات التاكسي على بعض مناطق العاصمة اسم "أراضي منظمة الأمين".بعض مدراء المنظمات الوهمية أسسها أصحابها ليس بهدف الحصول على أموال المنح، بل على فرص للهجرة خارج البلاد واكتساب جنسية أجنبية.وتقول العبايجي إن "وجود تلك المنظمات انتهى مع هجرتهم إلى إحدى الدول الأوربية وحصولهم على اللجوء الإنساني، بذريعة تعرضهم إلى تهديدات إثر ممارستهم نشاطاتهم".وحتى مطلع العام الماضي بلغ عدد منظمات المجتمع المدني العاملة في العراق والمسجلة رسميا في وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني نحو خمسة آلاف منظمة.لكن قانونا جديدا يحمل الرقم (12) صدر في شباط (فبراير) 2010 ألغى قرار بريمر السابق، وأجبر كافة المنظمات على إعادة التسجيل من جديد، كما أنهى ارتباط المنظمات بوزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني ليربطها رسميا بدائرة منظمات المجتمع المدني في رئاسة مجلس الوزراء. الإحصائية الرسمية لدائرة تسجيل المنظمات في رئاسة الوزراء تشير إلى تسجيل 250 منظمة مجتمع مدني فقط حتى الآن في سجلاتها بشكل رسمي منذ منتصف عام 2010 حتى نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، فيما رفضت أوراق مئات من المنظمات الأخرى وتعمل البقية على استكمال أوراقها. هناء إدوارد رئيسة "جمعية الأمل العراقية" إحدى أبرز المنظمات الناشطة في مجال حقوق المرأة، أكدت على أن القانون الجديد من شأنه أن يحد من ظاهرة المنظمات الوهمية، لاسيما أنه يشترط وجود مقر دائم وثابت للمنظمة بتأييد من مختار الحي السكني والمجلس البلدي في الحي. لكن إدوارد ترى أن أحكام التسجيل في القانون الحالي أخضعت المنظمات إلى مجموعة إجراءات روتينية "قاتلة"، من بينها ضرورة جلب رئيس المنظمة وثيقة عدم محكومية جنائية، ووثيقة أخرى تثبت عدم شموله بقانون المساءلة والعدالة، وعشرات من الوثائق الأخرى، وهو السبب برأيها في انخفاض نسبة التسجيل.في المقابل، يرى احمد العطار مدير عام دائرة منظمات المجتمع المدني في رئاسة الوزراء أن القانون يحمل قدرا كبيرا من الشفافية وأن "تنفيذه سيؤول الى انهاء ظاهرة المن
منظمات المجتمع المدني بين الوهم والحقيقة

نشر في: 14 أكتوبر, 2011: 07:39 م









