كاظم غيلان تزخر تواريخ الشعوب والأمم بالأحداث التي تروى شفاهاً وتتناقلها الأجيال، أو تدون لتصبح مصدراً ومرجعاً معرفيا لنا، بعض ما تختزن به الذاكرة العراقية يؤكد ان هناك ما يلهينا عن جوهر قضايانا المصيرية وأحزاننا حتى نكون على مبعدة من همومنا، ولعلنا نتذكر ما شغلنا به من شائعات رخيصة صدقنا بها مرغمين غير عابئين بطريقة صياغتها وضخها لأدمغتنا.
ففي السنوات الأولى لحكم البعث ولأجل فرض سيطرته على مجمل مفاصل الحياة ومع بداية التصفيات الجسدية لمعارضي النظام برز ت ظاهرة بطل العالم بـ(المصارعة) عدنان القيسي وراحت نزالاته مع مصارعي العالم تشغل العراقيين لاسيما وانها عادة ما تجرى بحضور ورعاية رموز النظام وبطريقة مفبركة تجد القيسي يصرع الرجال والجبال.rnوتسببت ظاهرته في العديد من المشاكل العائلية اذ تجد رجلاً يكسر يد زوجته تأثراً منه بشخصية القيسي وتحت هذا الغطاء دبرت العديد من عمليات الاغتيال، ومن ثم افتضح أمره وباعترافاته التي شاعت مؤخراً.rnوما ان انتهت لعبة القيسي حتى راحت ظاهرة (أبو طبر) تلقي بظلالها المرعبة على نفوسنا وتؤرقنا كبارا وصغاراً في وقت جرت فيه العديد من المحاولات الإجرامية التي تمثلت بتصفيات أخرى وانتهت بمحاولة انقلاب ناظم كزار.rnوما ان اشتدت وطأة الحصار المفتعل وبينما راحت البطالة تستشري في العراق وأصبح العوز يطارد المسحوقين والعديد من طلبة الدراسات العليا يمارسون مهناً بسيطة في أسواق الشورجة حتى أطلت علينا شخصية أخرى تشغل ممارساتها الناس وتثير تساؤلاتهم عما إذا كانت وهماً أو حقيقة، حيث ذاع اسم (سامكو) وهو شاب من منطقة الزعفرانية يستثمر مبالغ طائلة مقابل ارباح قليلة وبرعاية السلطة نفسها.rnوما هي الا أشهر قليلة جداً حتى أعلن عن إلقاء القبض عليه وإيداعه السجن، وراحت الدعاوى القضائية التي قدمت ضده تذهب ادراج الرياح تحت ذريعة (القانون لا يحمي المغفلين).rnولحقت النكبات بيوتاً عراقية كثيرة راحت تتجرع مرارة اللعبة، كل هذا وما يجرى في الخفاء من جرائم السلطة وممارسات أجهزتها القمعية قائم على قدم وساق.rnان مطابخ جاهزة تعدها الأنظمة القامعة تتقن فن ترويج ثقافة الإلهاء التي تصيب الشعوب بالخدر، ولو دققنا قليلاً ببطون كتب التاريخ لوجدنا لهذه الثقافة جذوراً ضاربة بالعمق.rnوتحدثنا المرويات عن ظاهرة (عام الزبزب) أبان الحقبة العباسية وتحديداً في عام 304هجرية اذ انشغل البغداديون وانشغلت الدولة عن الزنادقة والقرامطة بحيوان كانوا يسمونه (الزبزب) وكانوا يخافونه كثيراً ويقولون انهم يرونه في الليل على سطوحهم وانه يأكل الأطفال وربما عض ثدي المرأة فقطعه، وكان الناس يتحارسون ويتزاعقون ويضربون بالطسوت والصواني وغيرها طول الليل ليفزعوه، فارتجت بغداد لذلك وأوشك الزبزب ان يحدث أزمة، ثم ان أصحاب السلطان صادوا ليلة حيوانا أبلق مخططاً بالسواد قصير اليدين والرجلين فقالوا: هذا هو الزبزب وهذا ما?أورده الكاتب محمود فتاح عليان في كتابه القيم (قرامطة العراق)، فلأجل إبعاد الشعوب عن قضاياها الجوهرية وأحزانها تعمد الحكومات القامعة لإلهاء شعوبها بثقافة مخيفة كهذه.
ثقافة الالهاء
نشر في: 27 سبتمبر, 2009: 11:45 م