د. ناجح العبيديبعد أكثر من عام ونصف العام على الانتخابات التشريعية تلاشت تدريجيا الآمال بتحقيق نقلة نوعية في العملية السياسية. فحكومة نوري المالكي الثانية تبدو في أسوأ حالاتها بسبب عدم اكتمال نصابها وهشاشة ائتلافها وتصاعد حالة الغضب في الشارع العراقي نتيجة تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية والخدماتية وتضييق الحريات.
رئيس الوزراء السابق إياد علاوي كان قد حذّر في تصريحات عدة، من انزلاق العراق إلى دولة فاشلة. غير أن زعيم ائتلاف العراقية المشاركة حاليا في ما يدعى بحكومة الشراكة الوطنية في بغداد تجاهل في تحذيره أمرين، الأول هو أن العراق فعلا ومنذ سنوات دولة فاشلة، وثانيا دوره في إيصال الوضع إلى هذا الحد.فالعراق لا يزال من بين الدول العشرة الأكثر فشلا في العالم وفقا لمؤشر الدول الفاشلة Failed States Index الذي تنشره سنويا منذ عام 2004 منظمة صندوق السلام بالتعاون مع مجلة السياسة الخارجية الأمريكية (Foreign Affairs). ويستند هذا التصنيف إلى اثني عشر معيارا ابتداءً من العامل الديموغرافي والتهجير والعلاقة بين الطوائف وصولا إلى معدلات الفقر والفساد. ويعكس المؤشر مدى قدرة الدولة على أداء أهم وظائفها، وخاصة توفير الأمن والاستقرار والرفاه وبسط سيادة القانون. وإذا كان العراق قد نجح حتى عام 2011 في تحقيق تحسن طفيف انتقل خلاله من المرتبة الثانية إلى التاسعة ضمن هذا المؤشر، فإن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الوضع وصل إلى طريق مسدود لا يبشر بمواصلة هذا التحسن كما كان متوقعا.ففي الفترة من 2008 وحتى 2010 استطاع رئيس الوزراء نوري المالكي في ولايته الأولى أن يحقق إنجازات واضحة على الصعيدين الأمني والاقتصادي، مستفيدا من الدعم العسكري الأمريكي ومن ارتفاع أسعار النفط العالمية. وهو ما عزز من شعبيته وأتاح لقائمته "دولة القانون" تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات المحلية والعامة.غير أن التحالفات والاصطفافات التي نشأت بعد انتخابات 2010 لم تنجح في مواصلة هذا التقدم. بل على العكس فقد أدت نتائج الانتخابات عمليا إلى تعميق الأزمة السياسية بسبب تنصل الأطراف الفائزة عن وعودها وتعهداتها وانشغالها بمصالحها الفئوية والطائفية الضيقة. إن أهم مظاهر فشل الدولة العراقية تتمثل حاليا في الشلل الذي أصاب الحكومة ويحد من قدراتها على اتخاذ القرار. ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى تفكك الائتلاف الحكومي الذي تدور في إطاره صراعات لا تنتهي بين المالكي وعلاوي وغيرهما. ويعزو البعض سبب ذلك إلى أن تعقيدات الوضع العراقي لا تسمح بتشكيل حكومة أغلبية، وإنما فرضت حكومة ائتلافية عريضة تضم جميع الكتل الفائزة.ومع صحة هذا الرأي، إلا أن الواقع يشير أيضا إلى وجود نخبة سياسية مهووسة بالزعامة والمناصب والامتيازات بغض النظر عن الثمن. كما أن الأخوة الأعداء المشاركين في الحكومة الائتلافية لا يرون في السياسة فن التوصل إلى حلول وسط، بل محاولة لليّ الأذرع وخداع الآخر. ومما يزيد الطين بلة استمرار حالة التفتت في المشهد السياسي العراقي واتساع ظاهرة الانشقاقات في معظم التكتلات، الأمر الذي يفتح المجال أمام المناورات ويضع عراقيل إضافية أمام أي محاولة جادة لمواجهة المشاكل المستفحلة. ولعل عدم التوصل إلى اتفاق حول تسمية وزراء الحقائب الأمنية يجسد حجم هذه المشكلة، وذلك في وقت بدأ فيه العنف الطائفي من جديد بالكشف عن وجهه القبيح في مناطق عدة من العراق. ويساهم ذلك في تراجع ثقة العراقيين بإمكانية أجهزة الدولة في تأمين الحماية لهم، الأمر الذي يدفع مجموعات معينة وخاصة الأقليات القومية والدينية للمطالبة بالسلاح وتشكيل ميليشيات خاصة بهم. وينذر ذلك بالقضاء على ما تبقي من هيبة الدولة وتهديد احتكارها السلاح الذي يشكل أساس أي دولة.وتأتي هذه التطورات في وقت يبدو فيه أبو أسراء، كما يحلو للمقربين من رئيس الوزراء تسميته، قد فقد بريقه بعد أن عاد طواعية أو كرها إلى أحضان حلفائه الطائفيين في الداخل والخارج. والنتيجة كانت غض النظر عن ميليشيات وأمراء حرب كانوا قد تعرضوا سابقا لضربة قاصمة على يد المالكي نفسه بمساعدة الأمريكان. ولا يبدي هؤلاء رغبة كبيرة في إقامة دولة مستقرة قادرة على فرض القانون على الجميع. وتلقي ظاهرة التشظي في المشهد السياسي العراقي بظلالها على عمل مجلس النواب الذي ينشغل في نقاشات عقيمه دون التوصل لقرارات ملموسة، إذ تلجأ معظم الكتل إلى أسلوب المقاطعة وعرقلة مشاريع القوانين الضرورية ليس لمواقف مبدئية، وإنما انطلاقا من اعتبارات تكتيكية. فهي لا تعترض على سبيل المثال على مشروع قانون تنظيم القطاع السياحي أو قانون النفط والغاز، وإنما لا تريد إعطاء الجهة الأخرى فرصة للنجاح وتربط موافقتها على هذا القانون أو ذاك بالحصول على مكاسب مؤقتة أو منصب لهذا القيادي أو ذاك. وفي ظل سياسة المحاصصة واعتماد مبدأ تقاسم الغنائم بدلا من المشاركة الفعلية ليس من المستغرب أن ينخر الفساد جسد الدولة العراقية التي تحتل منذ سنوات ذيل قائمة منظمة الشفافية الدولية. وكل ذلك ينعكس في تردٍ واضح في الأوضاع المعيشية. فعلى الرغم من التحسن الكبير في مستوى الدخل في السنوات الأخيرة في العراق يلاحظ أن نوع
دولة العراق الفاشلة
نشر في: 15 أكتوبر, 2011: 06:10 م