ساطع راجيكثيراً ما تنسى أو تتناسى حكومتنا حقيقة المشاكل والأزمات التي تعيشها البلاد، فتحشر هذه الحكومة نفسها في زوايا محرجة وتدخل في تحديات صعبة لا مبرر لها ولا فائدة منها إلا الكشف عند أبعاد جديدة لمآسي البلاد، وإذا كان المواطنون العراقيون قد اعتادوا وتيرة ونمط أداء حكومتهم فهذا لايعني أن تسعى الحكومة لتمديد هوياتها في التورط بالمشاكل وان تشمل تلك المشاكل دولا أخرى فينفضح الحال العراقي على مرأى ومسمع الأجانب.
لا أحد يفهم جدوى إصرار الحكومة العراقية على التمسك بما تسميه "الاستحقاقات" من مثل أن تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية والنجف عاصمة للثقافة الإسلامية ،وقبل ذلك عقد القمة العربية في بغداد وبطولة الخليج لكرة القدم ،إلى كثير من الفعاليات والمهرجانات والمؤتمرات التي ينتهي كل منها إلى فضيحة في سوء الإدارة والارتباك والفساد والتضييق على الناس عبر قطع الطرق. بغداد إحدى العواصم الفعلية للثقافة العربية بما أنتجته وما تنتجه رغم الفقر المؤسسي للثقافة بغض النظر عن ذلك التقليد الدوري، والنجف إحدى العواصم الفعلية للثقافة الإسلامية بغض النظر عن التقليد الدوري للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ولن تزيد بطولة الخليج في ساحل البصرة المطلّ عليه، لكن أن تحشر هذه المحافظات في حل مشاكل متراكمة منذ عقود وتزيين وجوه مدن جراحها الأمنية والخدمية والاقتصادية والإدارية غائرة فهو أمر غير مفهوم أبدا، خاصة بعدما أثبتت تجارب صغيرة لفعاليات ثانوية حجم المشاكل وطرق تبديد المال حتى لو كان جميع الحاضرين من العراقيين ومن أبناء نفس المحافظة التي تشهد الفعالية. الاستعدادات لفعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية والنجف عاصمة الثقافة الإسلامية ودورة الخليج دخلت في دوامة الأزمة السياسية أيضا، وكانت مرتعا للمشاكل والاتهامات بدرجة تدعو إلى الشك في أن يرقى تنفيذ تلك الفعاليات إلى ما شهدته المدن العربية والإسلامية الأخرى حيث سنكون موضع مقارنة قاسية ومن المتوقع بل شبه المؤكد إننا لن ننجح فيها ،وبذلك ستكون الحكومة عرضتنا للفضيحة ولخسارة الأموال التي كان يمكن استغلالها بشكل أفضل في الخدمات وتوفير الوظائف، ولتأكيد الشكوك نتساءل فيما إذا كان مظهر بغداد اليوم مهيأ لاحتضان القمة التي كان من المفترض أن تعقد في آذار الماضي؟الفعاليات الرياضية والثقافية الدولية تكون مناسبة للنهوض بالمؤسسات الثقافية والرياضية في البلدان الحاضنة، لكن ذلك يفترض أولا إن البنى التحتية لتلك البلدان متكاملة وان سكان تلك البلدان في بحبوحة من العيش أو في مستوى لائق لا تجعلهم يتحسرون على الأموال المنفقة، هذا فيما لو نجحت الفعاليات ،أما تكون الخيبة والفضيحة وضياع المال هي النتيجة فذلك هو الخسران المبين. ينسى المسؤولون العراقيون أنفسهم دائما عندما يتحدثون عن المكانة اللائقة بالعراق في عمقه الحضاري والإنساني فيدافعون عن فكرة إقامة فعاليات دولية متجاهلين واقع الحال المزري، فجميع التصنيفات التي تضعها منظمات دولية وعالمية مهمة تضع العراق إلى جوار الصومال وأفغانستان في السوء ،وفي مقدمة كل قائمة للفشل وفي ذيل كل قائمة للنجاح، وإذا كانت تقديرات هذه المؤسسات غير دقيقة فهي بالتأكيد ليست عشوائية ولا مفتعلة ومهما قيل عن هذه التقديرات والمنظمات التي تضعها فهي في النهاية التقديرات المعتمدة عالميا، ومن ذلك قرار فيفا الأخير الذي اعتبر العراق غير صالح لإقامة المباريات الكروية.مواطنون بسطاء يقولون إن الإقدام على تبني هذه الفعاليات الكبيرة ليس وليد الصدفة أو الخطأ كما إن الخلافات التي تدور بين الفرقاء السياسيين والمسؤولين الإداريين على الإنجاز والنزاهة في إدارة هذه الفعاليات ليست بسبب الحرص، بل هناك كلمة سحرية واحدة هي التي تفسر كل ذلك هو "الفساد" سواء بنهب الأموال أو اغتنام الدعاية الكاذبة وإلا لماذا تبحث الحكومة عن مشاكل تضعها بين نيران الفشل والاتهامات بالفساد وتعرض الدولة لحرج هي في غنى عنه.
حكومة تبحث عن مشاكل
نشر في: 16 أكتوبر, 2011: 07:09 م