حازم مبيضينلم يكن مستبعداً قيام فلول كتائب القذافي بمحاولات يائسة, لإثارة الاضطرابات في طرابلس, أو أي مدينة ليبية أخرى يتمكنون من التسلل إليها, وسيكون غباءً توقع سيادة الهدوء بشكل كامل, حتى في حال القبض على عقيد آخر زمن, أو فراره إلى واحدة من الدول المارقة,
التي ترحب بأمثاله من الطغاة بعد كنسهم من بلادهم على يد الثورات الشعبية, فالقذافي الذي اكتشفنا للتو أنه كان يلبس الكعب العالي تحت ملابسه التقليدية المثيرة للاستهجان والسخرية, للتغطية على قصر قامته, تمكن وهو يقبض على ثروات الشعب الليبي من تجييش العديد من أصحاب العقول المريضة والنفوس الدنيئة, ليكونوا أتباعه عند الحاجة وهم اليوم يلبون النداء, في محاولة منهم لعرقلة مسيرة التاريخ الذي يكتب اليوم بدماء الليبيين الشرفاء, وهم يسدلون الستار على أربعة عقود مظلمة عاشوها أسرى جنون العقيد, وهلوساته الفكرية والأدبية. في آخر الأمر لن يؤثر قيام مجموعة لايتعدى عديدها الخمسين, بينهم مرتزقون أفارقة, على مسيرة الثورة الليبية, وهي تواصل انتصاراتها على فلول كتائب القذافي, كما لن يكون مؤثراً التأخر في السيطرة على مدينتي سرت وبني وليد, رغم مقولة قائد عسكري إيطالي مشهور بأن السيطرة على طرابلس, يجب أن يسبقها السيطرة على بني وليد, فقد قلب الثوار الصورة عند تحرير عاصمة بلادهم قبل ذلك, وفي المسارات التاريخية الكبرى, كما يجري في ليبيا هذه الأيام من المتوقع المرور بكبوات, لكن ذلك لن يغير النهايات المحسومة سلفاً لصالح الشعوب, والمهم هنا أن العالم كله يدرك انتهاء حكم العقيد, فيما يظل هو يطلق دعواته لزحوف مليونية لم نر لها أثراً, للقضاء على الثوار وتمكينه من توريث أبنائه الحكم والثروة والسلطة المطلقة. أحداث بوسليم يوم الجمعة أتت بعد دعوة مشبوهة وغير مجانية, انطلقت من أحد المذيعين الموالين للقذافي في تلفزيون الرأي, لصاحبه الفار من وجه العدالة في العراق مشعان الجبوري, الذي اعترف بأنه يقبض من العقيد ثمن مثل هذه النداءات البائسة, والجبوري وياللبؤس يعتبر نفسه من قادة الفكر المقاوم, لكنه يفضل دائماً قبض ثمن فكره النير, وتلفزيون الرأي " باب رزق " يصلح ليكون بوقاً لكل الساقطين, وهم يعدون الدقائق الأخيرة من تشبثهم بالسلطة, وثوار ليبيا يعرفون أن الأمور لن تهدأ في بلدهم, طالما ظل القذافي طليقاً ينفق على أتباعه من ثروة الشعب التي نهبها, لكنهم مع هذه المعرفة يركنون إلى قوتهم في وأد أي تحرك من هذا القبيل, كما حدث في طرابلس, غير أن الأسلم هو العمل على استباق مثل هذه الأحداث, التي تؤثر سلباً على حياة المواطنين وأمنهم. حتى لو لم يواصل العقيد المهووس تشبثه بالسلطة, التي وصلها بطرق دموية ومشبوهة, واكتفى منها باثنين وأربعين عاماً, فإن الطامحين إلى وراثته من الأبناء سيواصلون القتال, دفاعاً عن المكتسبات غير الشرعية التي كانت متوفرة بين أيديهم, وهم اليوم يواصلون وصف شعبهم بالجرذان والكلاب الضالة, رغم فرارهم من مواقعهم المحصنة في باب العزيزية, والعودة إلى عصر ما قبل الدولة والاحتماء بالعصبية القبلية, وهي لن تدوم طويلاً, حين يدرك الجميع أن مصلحتهم تقتضي طي صفحة القذافي وجماهيريته الكرتونية, ومؤتمراته الشعبية المكرسة للهتاف له, وسيكون لأحفاد الشهيد عمر المختار دولتهم المدنية التي يقاتلون بإصرار للوصول إليها.
في الحدث: جرذان القذّافـي
نشر في: 16 أكتوبر, 2011: 08:01 م