سلام الخياطفي التاسعة ليلا، أتصل بي الأستاذ سالم الآلوسي. قال: مات مصطفى جواد.. تعال سريعا. رحت، صحبني خوف وحزن وأنا أهيئ العدة.. جبس وكاسة نايلون وآلة لصب الجبس، إنها المرة الأولى التي أمارس فيها صب قناع.. فقناع من هذا النوع لا يليق إلا بعظيم.
القاعدة أن تستعجل العمل، فكلما تأخر الوقت أتيحت للموت فرصة في سرقة المزيد من الملامح الأصيلة، ملامح الرجل الحي، الجسد في فراشه تحت غطائه الأبيض، رفعت الغطاء فرأيت وجه الرجل الكبير الذي غدا منذ ساعات ميتا.. كان شاحبا وكانت عيناه مغمضتين، وكان نحيلا، نحيلا بشكل غير مصدق.والآن عليك أن تدهن الوجه.. دهنته، كنت خائفا عليه من أن يتسخ، وأدركت كأنني -وأنا أدهنه- أعامله وكأنه ما يزال حيا، وكنت في عجلة من أمري.. والآن ضع الجبس على الوجه، هكذا، بسمك سنتيمتر ونصف،، وجلسنا ننتظر، كان كل شيء أبيض: الوجه بالجبس، والغطاء، والليل نفسه... وكنا ثلاثة: أنا والأستاذ حسين أمين والأستاذ سالم الآلوسي، والصمت رابعنا، ومضت عشر دقائق.السطور أعلاه، تجاوز عمرها الأربعين سنة، كتبها يوسف الصائغ عن لسان الفنان الراحل محمد غني حكمت ونشرت في مجلة ألف باء في العدد 77 كانون الثاني عام 1970.. إثر استدعائه لعمل قناع جبسي يحفظ ملامح الغائب جواد ويصونها من البدد... محمد غني حكمت الذي عرشت جدران بغداد بالغلالات السوداء، تنعيه وتستذكر فرادة فنه، وبهاء حضوره.لم يوص(ي) بمن يخلده عبر قناع، كما فعل مع جواد، أو كما فعله الفنان خالد الرحال حين صب بالجبس ملامح وجه جواد سليم.. لعل الفقيد محمد غني حكمت، أنف أن يخلد بقناع مكرس للراحلين الكبار، بعدما صارت الأقنعة سمة الصغار من الأحياء، وهوية من لا هوية له.
السطور الاخيرة..زهــرة للأسى.. زهـور للتأسي
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 16 أكتوبر, 2011: 09:31 م