عبد الخالق كيطانكتب عالم الكيمياء الفرنسي لافوازيي (1743-1794) يقول: "إن الهدف الحقيقي لكل حكومة يجب أن يكون الزيادة في مجموع المتع في حجم السعادة وفي رفاه كل الأشخاص".مثل هذه الجمل، في فلسفة الحكم، كانت تريد أن تؤسس للمجتمعات المدنية. وصاحبها، الموصوف بكونه أحد رموز عصر الأنوار الفرنسية، وصل إلى أهمية السعادة في تشكيل المجتمع المعاصر نتيجة أبحاث ودراسات مستفيضة. المؤسف له أن العراقيين اليوم يناضلون من أجل الوصول إلى نتائج انتهى منها العالم منذ قرون.
إن واحدة من مشكلات مجتمعنا الراهن تتمثل في اعتبار السعادة نوعاً من المحرّم، أو الممنوع. وتبذل حكومتنا الرشيدة ما بوسعها لتكريس مثل هذا الفهم بطرق مختلفة. فعموم المواطنين في هذي البلاد المنكوبة لا يستطيعون نسيان أيام سعادتهم لأنها نادرة. أغلب يومياتهم مكرسّة للمناحات، وتشتغل هذه المناحات ضمن أنساق دينية وأخلاقية ومجتمعية واقتصادية وسياسية. وبالطبع فإن نخباً صغيرة جداً في العراق تنعم بالسعادات كلها، ومن المؤكد أن النخب الممسكة بالسلطة هي المعنية بالسعادة في عراق اليوم على حساب الملايين.كيف يمكن أن تنتشر مفاهيم السعادة في المجتمع وحكومته تمارس في كل يوم أفعالاً تكرّس البؤس والحرمان؟ في أبعد قرية عراقية، مثلما هو الحال في مراكز المدن، تغيب ملامح السعادة. وترتسم على الوجوه بشكل مستمر امارات الخذلان والكآبة. ولو توفرت لنا مستشفيات نفسية متطورة ومراكز بحوث تخصصية لوجدنا أن ما نسبته 99% من أفراد الشعب يعانون من مشاكل نفسية هائلة وإن هذه النسبة بعيدة كل البعد عن مفاهيم السعادة بأبسط صورها. فأزمة السكن، على سبيل المثال، تلقي بظلالها على الملايين في هذه البلاد. وامتلاك بيت مناسب هو حق أقرّته لائحة حقوق الإنسان العالمية، وأقرته أغلب دساتير العالم، وبضمنها دستورنا العراقي. وبالرغم مما يمكن أن يمثله امتلاك منزل من سعادة للعائلة العراقية إلا أن الواقع يقول أن الجهات المعنية تصرّ على منع الناس من الفرح بهذا الحق، ولذلك ترى الملايين من المشردين أو الذين يسكنون في بيوت الصفيح وتحت الخطوط السريعة وفي المزابل وفي بيوت التجاوز وغيرها من الوحدات السكنية المرتجلة والخالية من أبسط مقومات العيش الإنساني. كما أن حكومتنا الرشيدة، تحارب وبكل قواها، من أجل إبقاء الكثير من المتع، البسيطة جداً، ممنوعة عن عموم المواطنين، ومن ذلك: شق طرق جديدة، إقامة حدائق عامة، انشاء مدارس عصرية، افتتاح قاعات للعرض السينمائي والمسرحي، تشجيع سياسة التشجير والإكثار من الخضرة... ألخ. ومن المؤسف أن مثل هذه المشاريع الجالبة للسعادة، ليست في عرف الدول المختلفة اليوم إلا جزء من حقوق المواطنين ومن واجبات الدولة تجاههم. إن ما يحدث في العراق هو صراع مرير من أجل تثبيت العيش ليس إلا، أما الحديث عن لذات وسعادات للمواطنين فهذا أبعد ما يكون عن ذهنية الممسكين بالسلطة اليوم. ما معنى أن ننشغل بأسطوانة الكتل السياسية، بوصفنا مواطنين، وخلافاتهم حول "الحصص"، في الوقت الذي يتنعم فيه قادة تلك الكتل بسعادات لا حصر لها؟ إن أبلغ ما يمكن من قسوة في بلادنا يتمثل في تلك الجملة التي نرددها جميعنا وبلا استثناء: لا نريد أكثر من النوم على وسادة بلا هموم. فهل هذا كثير؟
عين: فتّش عن السعادة
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 18 أكتوبر, 2011: 07:19 م