هاشم العقابي سياسيون ومثقفون ورجال دين أكثروا من الحديث حول علامات عودة الدكتاتورية للعراق. وفيهم من يقول بانها قد عادت بالفعل. ولم يتردد اغلبهم من الإشارة الى رئيس الحكومة بانه صار يتفرد بالسلطة وينحو بها الى ما كانت عليه في أيام صدام. والغريب ان اغلب تلك التحذيرات جاءت حتى من حلفاء المالكي وليس من معارضيه.
فحتى يوم امس طالعتنا الاخبار بعنوان صريح يقول: "حلفاء المالكي وشركاؤه قلقون من تفرده بالسلطة". لكن الأغرب هو انه لا الشعب ولا اصحاب التحذيرات قد اتخذوا خطوات صحيحة تحد من تلك الظاهرة أو تعمل على استئصالها.فشعبنا العراقي الذي عانى من ويلات الدكتاتورية ولم يتخلص من كوارثها حتى اليوم، لم نجد منه ردة فعل تتماشى وحجم ما حل به من دمار وعذاب ايام الطغيان الصدامي. فلنفترض ان اعضاء من البرلمان الياباني ومثقفين وسياسيين خاطبوا شعب اليابان بان هناك علامات تشير لعودة ضرب بلادهم بقنبلة ذرية مثلما حدث مع هيروشيما، فما الذي سيفعله شعب اليابان؟ هل سينام ليله ويجلس متفرجا واضعا يده على ركبتيه أو خديه؟ لا تقولوا لي ان القنبلة شيء والدكتاتورية شيء آخر. من يقول ذلك عليه ان يعود للتاريخ ويستحضر حجم الخراب والدمار اللذين حلا بالعراق والعراقيين بسبب الدكتاتورية، ثم ليعترض علي بعدها.الدكتاتورية وباء فتاك ان تمكن من اصبعك، سيلتهم ذراعك ولو بعد حين. ومن يريد ان ينقذ الناس منه لا يمكنه فعل ذلك عن طريق التحذير من انتشاره فقط. فالانقاذ لا يتم الا بتعليم الناس وتدريبهم على افضل طرق الوقاية من الوباء قبل استفحاله. لانه اذا استفحل يصبح ثمن التخلص منه باهظا جدا. وان تم الخلاص، فانه لن يحدث الا بعد ان تخسر الناس ملايين من الارواح والممتلكات. وفي هتلر وموسيليني وصدام والطاعون والكوليرا، امثلة حية.المنطق يفترض ان تجربة العراق والعراقيين مع الدكتاتورية تفوق تجربة اوربا مع النازية والفاشية. لكن اليوم قد تتساهل اوربا مع اي شيء الا مع عودة هتلر أو موسيليني جديد. اما نحن فنسمع بعودتها وكان الامر لا يخيفنا أو يعنينا. فعندما احتل صدام الكويت، مثلا، ذكّرت امريكا العالم الاوربي بمخاطر ظهور هتلر جديد فهبت دول غربية كثيرة للتحالف معها في حرب الخليج الثانية لاخراج صدام من الكويت. ان حماية العراق من عودة الصدامية لا يتأتى عن طريق الاكتفاء بشتم صدام واستعراض جرائمه. فأغلب العراقيين اشبعوه شتما ويعرفون ما صبه على رؤوسهم من مصائب لانهم عاشوها لحظة بلحظة وعانوا منها اكثر مما عاناه كثير ممن يحكم العراق اليوم. فاسأل مجرب ولا تسأل حكيم.ما يحتاجه العراقيون فعلا هو التوعية بكيفية التصرف حين تلوح علامات وباء الطغيان أو تنتشر رائحته. ومن هنا تبرز اهمية دراسة صدام كظاهرة استبدادية لتبصير الناس باسباب نشأتها النفسية والسياسية. وهذا انفع للناس من شتمه ومن التصريحات التي تنذر بعودته. وللحديث تكملة
سلاما ياعراق :عن عودة الدكتاتورية
نشر في: 18 أكتوبر, 2011: 08:43 م