TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > تآكل الأصوليّة الرأسماليّة

تآكل الأصوليّة الرأسماليّة

نشر في: 19 أكتوبر, 2011: 06:16 م

فريدة النقاش يبحث الناس في الأيام المظلمة عن نقطة ضوء، وتعيش الإنسانية الآن أياما مظلمة حيث تُهدّد الاقتصاد العالمي أزمة كبرى تفوق في حدتها ما حدث قبل ثلاثة أعوام، وما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، «وإذا لم يسلك السياسيون بجرأة وشجاعة فإن الاقتصاد العالمي سوف يواصل الاندفاع نحو الثقب الأسود.. نحو الكارثة ولابد أن تخافوا..».
كانت هذه الجملة الأخيرة «لابد أن تخافوا» هي التي حملها غلاف مجلة «الإيكونوميست» الاقتصادية البريطانية المحافظة العريقة، والتي طالما دافعت عن النظام الرأسمالي بل عن الأصولية الرأسمالية التي تعتمد بل تؤمن إيمانا شبه ديني بالاقتصاد الحر دون ضوابط وتنفر كلية من أي تدخل للدولة في شؤون الاقتصاد.ولكن «الإيكونوميست» دعت السياسيين والدولة إلى التدخل أمام الأزمة المتفاقمة وعنوانها هذه التظاهرات الحاشدة في أمريكا ضد حي المال والأعمال في «وول ستريت» بنيويورك، والحشود التي اندفعت قبل يومين في شوارع لندن تحتج على الإفقار، وأزمة «اليورو» في أوروبا التي تهدد بإعلان إفلاس اليونان، والأزمات العاصفة في كل من إسبانيا وإيطاليا والبرتغال «وحتى لو جرى تجنب الكارثة في أوروبا فلا تزال الأفق مظلمة بالنسبة للاقتصاد العالمي الذي يقف على حافة خطر محدق» كما تضيف الإيكونوميست.وهي تؤكد أيضا أن الاقتصاديات الناشئة والواعدة لم تعد تشكل طوق نجاة للاقتصاد العالمي لأنها تواجه بدورها مشكلات كبيرة «إذن ما من مكان للاختباء» كما تقول المجلة.ولكن المجلة المحافظة التي شخصت حالة الاقتصاد العالمي لم تدفع بالمنطق الذي جعلها تتوقع الكارثة إلى نهايته، فبعد ثلاثة عقود من تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة ثبت فشلها الذريع في تحقيق الوعود التي أطلقتها، وهي السياسات التي تبناها كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وهيئة المعونة الأمريكية، ووضعها موضع التطبيق في البداية حزبان محافظان كبيران يتحكمان بهذه الدرجة أو تلك في السياسات العالمية هما الحزب الجمهوري الأمريكي بقيادة «رونالد ريجان»، وحزب المحافظين البريطانيين بقيادة «مارجريت تاتشر»، بل إن المنظمات المالية العالمية فرضت هذه السياسات التي قلصت دور الدولة إلى الحد الأدنى على غالبية بلدان العالم كشرط لإقراضها، مما أدى إلى زيادة الانقسام الاجتماعي، حتى إن تظاهرات «وول ستريت» تطلق شعاراً: إن 99% من الشعب الأمريكي يواجهون الآن الواحد في المئة من الأمريكيين الذين احتكروا الثروة وهيمنوا على السلطة السياسية والاقتصادية، وفي أوروبا تدعو التظاهرات إلى إعادة النظر في السياسات الاقتصادية - الاجتماعية كافة، وتتخذ الأزمة في أوروبا في أحد مظاهرها شكل النمو السريع للنزعات والأفكار والجماعات العنصرية من نازيين جدد ومعادين للإسلام وللمهاجرين والغرباء عامة.وصلت الأصولية الرأسمالية إذن إلى نهايتها، هي التي أطلقت على الصعيدين الفكري والسياسي كل أشكال الأصولية الأخرى وبشكل خاص الأصولية الدينية إسلامية ومسيحية ويهودية وبوذية وهندوسية، وجميعها تعبير عن الأزمة العميقة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، حيث يعيش 70% من سكان العالم على الاقتصاد الهامشي.وقد خاصمت الأصوليات كافة تلك التوجهات العقلانية الشاملة التي لازمت نشوء الرأسمالية وأدت في زمنها إلى التطور الاقتصادي والهيمنة السياسية للطبقة البورجوازية الأوروبية، ومن معطف هذه العقلانية نشأت فلسفة التنوير، وخاض المنورون العظام الأوائل صراعا لا هوادة فيه ودون أية مساومة مع اللاهوت ومع كل أشكال الميتافيزيقا في الفلسفة والعلم والسياسة.وكل من اللاهوت والميتافيزيقا كانا مكونين أساسيين لأيديولوجيا الإقطاع العدو اللدود للرأسمالية.والآن وفي ظل أزمتها الراهنة والطريق المسدود الذي وصلت إليه، تعود الأصولية الرأسمالية إلى إطلاق ومساندة كل من اللاهوت والميتافيزيقا ضد القوى الناهضة في العالم كله التي ستنجح في نهاية المطاف ومهما طال الزمن، لا فحسب في التعجيل بانهيار الأصولية الرأسمالية التي تتآكل ولكن أيضا في تجاوز الرأسمالية ذاتها إلى الاشتراكية.تساءل أحد المذيعين وهو يبث خبر اندلاع تظاهرات لندن والمقارنة بينها وبين ما يحدث في أمريكا، هل هو النضال ضد العولمة، وبوسعنا أن نرد إنها عولمة النضال ضد الرأسمالية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram