هاشم العقابيتوقفت في عمود الامس عند اهمية دراسة دكتاتورية صدام. فهي بالمحصلة نتيجة لا بد من دراسة اسبابها لفهمها بشكل صحيح كأي ظاهرة أخرى. ويرى المتخصصون ان العوامل النفسية تعد من بين اهم اسباب نشأة الدكتاتورية. وهذا لا يقلل ابدا من شان العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قد تكون وراء ولادتها واستمرارها على قيد الحياة في اي بلد وليس في العراق فقط.
ومن جانبي ساركز على العوامل النفسية بحكم تخصصي المباشر بعلم النفس الذي قد يمنحني فرصة افضل للتحدث عنها تاركا العوامل الأخرى لمن هم اكثر وأفضل مني خبرة بها. اجد من الضرورة ان اذكّر بما قلته سابقا بان معاناة العراقيين من بطش صدام قد تفوق معاناة اي شعب من اي دكتاتور آخر، كهتلر مثلا. لان ضحايا الاخير كان اغلبهم من شعوب اخرى وليس من شعبه كما في حالة صدام. ومع هذا لم نجد هناك دراسات عراقية ولا حتى عربية ذات شأن اعتمدت اساليب البحث العلمي أو التزمت بالموضوعية في تحليل دراسة الظاهرة الصدامية. هكذا نحن وللأسف نعتبر دراسة "العدو" وتحليل شخصيته عيبا أو نعدها امتداحا له فنتجنبها. لكم في الصراع العربي الاسرائيلي خير مثال. فالجامعات الاسرائيلية، وتشاركها بعض من الجامعات العالمية، اهتمت كثيرا بدراسة الشعوب العربية والاسلامية وانظمتها السياسية. لا بل انها انشأت مراكز متخصصة للبحث في ذلك لتشخيص ما عند العرب من نقاط قوة وضعف. وفي المقابل نجد ان الدراسات ومراكز البحوث التي تخص الشأن الاسرائيلي تكاد تكون معدومة عند العرب. وان وجدت فما هي الا دراسات انفعالية وشعاراتية لا تتجاوز غير شتم الآخر والحط من قيمته، رغم ان الواقع الذي على الارض اثبت تفوق الآخر ونجاحه. وفي الغرب، كمثال، حظي هتلر كدكتاتور، في حياته وبعد مماته، بدراسات سايكولوجية مهمة تطرقت لحياته وسماته البايولوجية والنفسية بموضوعية وحيادية. ولم يتهم اصحابها بمحاباته أو تمجيده. وهذا هو البحث العلمي يطرح السلبيات والايجابيات والا فانه ينتهي الى ان يكون بحثا علميا ويصبح مجرد خطاب عاطفي لا نفع فيه. وقد ادت تلك الدراسات، التي اهتم بها عدد من المنشغلين بعلم النفس والامراض العقلية، الى ظهور نظريات ادرجها العلماء تحت مصطلح "سايكولوجية الدكتاتورية". نظريات عللت اسباب ظهور الدكتاتور وحددت عوامل صعوده وسقوطه. كذلك اهتمت بالطرق الكفيلة بمحو ما تركه من خراب في نفوس الجماهير وتعليمها على كيفية الوقاية من الوقوع في شرك الاستبداد والطغيان مرة أخرى. كان من اكثر علماء النفس اهتماما وانشغالا بذلك هم العلامة النفساني كارل يونج والنمساوي ستيكل وعالم النفس الاجتماعي الفرنساوي جوستاف لوبون. يمكن حصر العوامل التي تؤدي الى ظهور الدكتاتورية، حسب تلك النظريات، في نطاقين. عوامل يتحملها الشعب أو الجماهير التي تساهم في صناعة الدكتاتور. وعوامل نفسية تخص الدكتاتور نفسه قد تعود الى ايام طفولته الاولى وما يؤمن به من معتقدات وقيم. وهذا ما ساتطرق اليه لاحقا متوخيا الموضوعية قدر ما استطيع.
سلاما ياعراق :سايكولوجية الدكتاتور
نشر في: 19 أكتوبر, 2011: 07:27 م