وديع غزوان مع جلّ احترامنا وتقديرنا لكل الآراء التي تعتقد أن الفوضى التي نعيشها شكل من أشكال الديمقراطية، فان القناعة التي ترسخت بعد كل ما شاهدناه من سلوكيات سواءٌ ما يتعلق منها بالتظاهرات الاحتجاجية في ساحة التحرير وسواها، أو بمواقف الكتل السياسية في ما بينها تقول عكس ذلك، فالذي نمر به بحسب رأينا المتواضع لا يمت بصلة إلى أيٍّ من الديمقراطيات التي شهدها العالم فلا هي ديمقراطية مركزية بحسب تفسيرات اليسار، ولا هي ليبرالية ولا توافقية ولا أي شيء له علاقة بأصول الديمقراطية.
قد يعتقد البعض أننا نتجنّى على النظام السياسي السائد بعد 2003، ولا نرى بعين الموضوعية ما اكتسبه البلد من حريات جعلت المواطن ينتقد الحكومة ومجلس النواب في البيت والسيارة والمقهى، في حين كان يخاف أن يذكر النظام السابق بسوء حتى في حلمه، كما أن هذه الحريات نفسها فتحت الباب على مصراعيها للإعلام ليمارس دوره، غير أننا نكرر ونؤكد أن هذه ليست الديمقراطية التي نريدها أو التي يمكن أن نعوّل عليها لبناء الوطن فقد تحول النظام إلى محاصصي في كل شيء وهو ما يتقاطع ومبادئ الديمقراطية وأصولها، فكل شيء متوقف على ما يريده سياسيون معدودون في هذا التكتل أو تلك، وما على الباقي إلا الرضوخ بمن فيهم نواب لا عمل لهم غير تسلم الراتب والحصول على الامتيازات لقاء دور هامشي قد لا يتعدى رفع الإصبع بالموافقة أو الرفض بحسب المطلوب، هذا إذا كان مواظباً على الحضور، والشيء نفسه ينطبق على مفاصل العمل الحكومية الأخرى التي تفتقد إلى التنسيق والى الشفافية، ما شجّع المفسدين على ممارسة أقذر الصفقات. الديمقراطية وكما قرأنا وسمعنا عنها تعني إشاعة أجواءٍ من الثقة بين المواطن والمؤسسات البرلمانية والحكومية وهذا ما نفتقده بعد كل الذي جرى، ولا ندري كيف يمكن إشاعة أجواء ثقة في مجتمعنا إذا كان كل طرف من نخبنا لا يمتلك الثقة بالآخر ويعمل على هواه وبدون اتفاق حتى في اخطر القضايا وأهمها. وإلا فما معنى أن يطرح رئيس البرلمان مبادرة بشأن الحوار الرباعي في حين أن دولة القانون أكدت انه كان ينبغي عليه مناقشتها مع بقية الكتل وما معنى السجال بشأن التواجد الأميركي والحصانة للجنود الأميركان إذا كان كل طرف يتفق بالخفاء على شيء ويعلن عكسه، وما تفسير إعلان عدد من أعضاء مجلس النواب أنهم يجهلون معلومات أساسية عن الأجهزة الأمنية وتتهم حزب الدعوة بامتلاكه النفوذ فيها ويقول الشيخ همام حمودي ما نصه: الكل لا يعرف تفاصيل الممسكين بالملف الأمني لأنه ينطوي على نوع من السرية"، ولا ندري ما سرية معرفة تفاصيل إمكانات ومهارات القائمين على الأجهزة الأمنية. المعارضة مهمة في كل نظام ديمقراطي، لكن يبدو أن سياسيينا أضاعوا على أنفسهم "المشيتين" بالتعبير العامي أي الطريقين، فهم ديمقراطيون بالكلام فقط.
كردستانيات: ديمقراطيو كلام!
نشر في: 19 أكتوبر, 2011: 07:51 م