TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: "الاجتهاد" و"القياس" فـي ترجمة الشعر

تلويحة المدى: "الاجتهاد" و"القياس" فـي ترجمة الشعر

نشر في: 21 أكتوبر, 2011: 06:20 م

 شاكر لعيبيترجمة الشعر هي تمرين على الشعر نفسه. هي تجربة التماهي مع شاعر آخر بطريقة إشكالية لا تستطيع أن تفقد بها، مع ذلك، روحك، ولا أسلوبك ولا خياراتك اللغوية. إنها تأويل. إنها اجتهاد. كتبنا ذات مرة دراسة مطولة تتمحور حول وجود وعي أصوليّ لدى بعض مترجمي الشعر الذاهبين عملياً إلى الاعتقاد بالترجمة الحرفية للنصوص، حتى وإنْ زعموا لفظياً خلاف ذلك.
 عبَّرتْ تلك المقاربة مع الأصولية عن استياء من الذين يرفضون الاجتهاد ويظلون يصرون مثل الأصوليين على فهم حرفي للنص الأصلي، كلمة مقابل كلمة، بل كلمتهم هم قبل غيرها من الكلمات. اقتراح المقارَبة بالأصولية مشتق أيضا من التراث كما هو واضح. لقد جلب انتباهي للمشكلة الإشارات الكثيرة، الخفية والصريحة، لأولئك الذين يعتقدون بأنهم "المقاولون المتعهدون" الوحيدون بنقل الشعر الفرنسي إلى العربية ومنها. وإذا ما اعتقد جماعة بن لادن مثلاً أنهم الوحيدون في العالم الإسلامي من يمتلك التفسير الصحيح الوحيد للنص القرآني والسنّة، فأن بعض مترجمي الشعر "يكفِّرون" بدورهم، وحسب النسق السلفي عينه، ما سواهم من المترجمين، كأنهم يمتلكون خبرة لغوية معاشة مع اللغة الفرنسية في باريس تختلف عن خبرة غيرهم في جنيف أو كندا، وكأنهم يعودون لقواميس مغايرة للقواميس الفرنسية الشهيرة "لاروس" و"بتي روبير" الصغيرة والكبيرة. التكفير يذهب أحياناً إلى أقصى مدياته كما قرأنا جميعاً هنا وهناك وبأقسى العبارات. يجوز السجال بالطبع عن الترجمات ودقتها شريطة امتلاك المحبة والتقدير المتبادل اللائق وبالفعل الثقافي لجهود الآخرين. وهو ما لم نشهده في الأمثلة المعروفة من السجالات "التكفيرية" المعروفة عن الترجمات الشعرية خاصة. نظرياً يعترف هؤلاء الأصوليون بالتأويل جوهراً للترجمة، لكن عملياً لا يعترفون إلا بأنفسهم كمؤوِّلين للنصوص. هنا إفراطٌ وعدم محبة للعالم.في المقاربة بين تلك السجالات والوعي الأصولي الشقي استشهدتُ بأربع ترجمات متوالية لقصيدة أدغار ألن بو "الغراب" إلى اللغة الفرنسية، اثنين منها على يد شاعرين من كبار شعراء الفرنسية، واستنتجتُ أن المقدار الذي يذهب فيه تأويل تلك الترجمات للبيت الأول وحده من قصيدة بو، كان يمكن أن يدفع بتكفيريينا إلى أشد الفتاوى تطرفاً، وهو ما لا يحدث في الثقافة الفرنسية التي تُدرك المغزى العميق لعملية التأويل وتسمح بفسحة كبيرة من الحرية لخيار المترجِم. أما الحديث عن "شعرية الترجمة" فيبدو في ثقافتنا محض عبارة عريضة برّاقة أو فكرة ممنوحة لنخبةٍ افتراضيةٍ فحسب، مع اعتراف أصوليو الترجمة، بالجوهر التأويلي شريطة أن تقنعهم، هم قبل غيرهم، معارفنا الدقيقة بخفايا اللغة المنقول عنها، كأنهم يقصرونها على أنفسهم وجماعة مختارة أخرى. وهنا يتجلى مرة أخرى "الوعي الأصولي" الذي يزعم معرفته وحده و"جماعته" بخفايا النصوص. نعرف الفارق في الفقه الإسلامي بين "الاجتهاد" و"القياس". نحن ميالون، إزاء عملية الترجمة، إلى الاجتهاد، بينما يبحث الأصوليون عن معايير القياس، قياسهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram