TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلمات عارية: هناك من يخطط لنا

كلمات عارية: هناك من يخطط لنا

نشر في: 21 أكتوبر, 2011: 07:15 م

 شاكر الانباريالحياة ليست مشكلة ينبغي أن تحل، انما هي مغامرة جميلة على الفرد ان يخوضها، هذه حكمة قديمة نقع عليها في النصوص الشرقية، ولدى المتصوفة، والعرفانيين. فثمة على هذه الأرض، كما يقول محمود درويش ما يستحق الحياة، لكن البلد الوحيد الذي لا تنطبق عليه هذه الحكمة هو العراق.
الحياة في اي مدينة عراقية، بما في ذلك بغداد، ليست مغامرة على الاطلاق، بل هي كابوس يومي، ولحظي في الحقيقة. عوضا عن النهوض صباحا وتشغيل المسجل، او التلفزيون، على انغام فيروز او موسيقى كلاسيكية ناعمة، او اذا كان الشخص روحانيا في الدين على صوت عبد الباسط عبد الصمد، يستيقظ الشخص ليجد الكهرباء مقطوعة، وعليه تلمس نهاره بعيون غاضبة، وسط فحيح المولدات البيتية ودخانها. وحين يذهب الشخص الى عمله تعترضه بين خمسين متر وأخرى نقطة تفتيش، تعيق السير أكثر مما تبذل جهدا في التفتيش. واذا بطريقه الى العمل وقد تحول الى مطبات، وتوقفات، ومزامير، وضوضاء، وزحام، وشتائم احيانا من العابرين والسواق. اما اذا اتجه الشخص لمتابعة معاملة يومية في احدى الدوائر، كاخراج هوية أحوال مدنية، او جواز سفر، او اجازة سوق، فسيظن وكأنه داخل الى يوم حشر، حيث تلاقيه حشود مبعثرة حول الشبابيك، وبين الطاولات، وفي الزوايا، وعلى السلالم.  ولا ينجز ما جاء لانجازه الا بعد ان يضع نقودا هنا او يهدد ذاك او يتصل بمسؤول رفيع. وهنا يتمنى من عمق قلبه ان يعيش في اي بلد في العالم سوى هذا البلد. وبعض الأوقات يهم بتغيير روتين حياته ليتجه، على سبيل المثال، الى حديقة عامة، كالزوراء، فيجد الشارع مغلقا، والزحام على اشده، ثم يلعن الساعة التي فكر فيها بالخروج من بيته. وهكذا اذا ما مضى الى زيارة صديق في حي بعيد او السفر الى مدينة قريبة، وقس على ذلك من تهديد يومي في العمل، وخوف من المجهول في الدوائر الأمنية وقوى الجيش، وتوقع مزمن بانفراط عقد التحالفات  الحكومية لتعاد العملية السياسية الى نقطة الصفر، هذا اذا قفزنا على الذباب ومشهد الحيطان الكونكريتية المقبض وساحات المزابل وروائح المجاري التي لا تعترف بشيء اسمه الأحياء الراقية. وبالنتيجة حين تصبح الحياة كابوسا ومشكلة، فعلينا ان نتصور مقدار الضغط النفسي والروحي على الأطفال والنساء والشيوخ. على الطالب والمعلم والطبيب. فهم يعيشون الكابوس ذاته. حتى شراء النفط للشتاء يمكن ان يصبح معضلة، رغم اننا من البحيرات النفطية العملاقة على هذه الأرض. اذن لا يستغرب الفرد ان معظم العراقيين يتوقون الى الهجرة خارج البلد، حتى لو تم ذلك الى ارتيريا، او بوركينو فاسو في مجاهل افريقيا. لقد وصل عدد العراقيين في الخارج اكثر من اربعة ملايين، والحبل على الجرار. كل ذلك بسبب الحياة الكابوس التي لا تستحق ان تصبح مغامرة. المغامرة عادة ما تمنح المغامر الحكمة والمعرفة والتجربة الغنية، بينما تقود مغامرنا العراقي، في اي محافظة كانت، الى الموت، الاعتقال، الخطف، الاهانة، الانتظار الممل، وسفح الوقت. السنا اذن بلدا استثنائيا على هذه الأرض؟ هل هناك من يخطط لنا حياتنا كي تصبح كابوسا حقيقيا وليس مغامرة جميلة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram