TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن :بين تفاحة جوبز وصقر القذافي

العمود الثامن :بين تفاحة جوبز وصقر القذافي

نشر في: 21 أكتوبر, 2011: 09:57 م

 علــي حســـــين  بدا القذافي على شاشة التلفزيون، وكأنه خارج لتوّه من جحيم دانتي، دماء على الوجه وشعر أشعث، وجهٌ كأنه خرج من جهنم التي حولت غطرسته إلى انكسار، هكذا شاهد العالم رجلا غارقا بالدم ظل طوال أكثر من أربعين عاما يتحدث وكأن الملك شيء غير قابل للغروب، لا اعرف أي نوع من المشاعر انتابت الناس وهي تشاهد ملك ملوك العالم، لكنها مصائر الطغاة وحقوق الشعوب التي استلبت من قبل رجال جاءوا باسم الجمهوريات لإلغاء الملكية، فوضعوا الناس في زمن القرون الوسطى.
من القائد الضرورة إلى العقيد معمر القذافي، جاء الجميع رافعين شعارات الحرية والمساواة والعدل والقانون فوزعوا ظلمهم وجبروتهم وغطرستهم على الناس بالتساوي فيما وزعوا ثروات البلاد بين الأهل والأصحاب والأحباب، ما الذي سيذكره التاريخ عن القذافي؟ لاشيء.. فلم يكن الرجل أكثر من جلاد لم يترك للناس أي اثر يتذكرونه سوى الرعب وكره الحرية ومنصات الإعدام وغياهب السجون، لاشيء سيبقى في ذمة التاريخ للعقيد وأشباهه،الا ان هذا التاريخ نفسه سيسجل في اللحظة التي كان فيها القائد المجنون يطلق على شعبه وصف الجرذان، كان في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية رجل يعاني مرضا فتاكا كتب يقول "عندما أقف كل صباح أمام المرآة أسأل نفسي، لو كان هذا آخر يوم لي في الحياة هل سأفعل ما أنوي القيام به اليوم؟ وإن كان الجواب لا، لعدة أيام متتالية.. سأعرف أنه يتوجب علي تغيير شيء ما"، هذا الرجل اسمه ستيفن جوبز، وحين ترك القذافي وراءه آلاف القتلى والمفقودين ودمارا لبلد يعد من أغنى بلدان العالم، ترك لنا المرحوم جوبز جهازا مسطحا خفيفا تستطيع أن ترى فيه العالم بكل جهاته وتسمع أخبار مجانين السلطة الذين صبغوا بلدانهم بلون قانٍ هو لون الدم، في الوقت الذي كان فيه العقيد يبحث عن أمجاد تحت شعار القومية العربية، ويحول ثروات شعبه إلى قنابل ومنظمات سرية تقتل الناس، كان ستيفن جوبز بقميصه الأسود وجينزه الأزرق يبيع سيارته الشخصية ليؤسس مصنعا صغيرا في حديقة منزل والديه يطلق عليه اسم "ابل"، وفي الوقت الذي اختار القذافي الصقر الأخضر شعارا لجماهيريته العربية الليبية الشعبية الديمقراطية العظمى، اختار جوبز التفاحة كرمز لشركته الصغيرة، والسبب كونه عمل في حقل تفاح في فترة من حياته. في بادئ الأمر قرر أن يكون شعار الشركة عبارة عن رسم لشجرة تفاح يجلس نيوتن في ظلها. لكن بسبب صغر حجم الصورة وعدم وضوح تفاصيلها قرر استبداله بتفاحة مقضومة، ترمز إلى ثمرة المعرفة التي قضمها آدم في الجنة، في هذا الوقت الذي كان القذافي يكشف للعالم سرا خطيرا في كتابة الأخضر وهو أن "المرأة هي إنسان يأكل ويشرب مثل الرجل".. كان جوبز يقدم للعالم أفكارا ومخترعات.وزع قادتنا الميامين على شعوبهم الخنادق والمتاهات والميادين، ليعيشوا مهانين مسلوبي الإرادة، يحاصرهم الفقر والذل والطغيان والتخلّف، فيما وزع أديسون الضوء الذي أنار حياتنا، وأعطانا المستر بل السماعة كي نتسامر مع من نحب، فيما وزع جونز هاتفه "الآي فون" على البشرية ليحمل إليها أخبار العالم وفنونه وصحفه وكل ما هو جديد من مهازل الديمقراطية العراقية.ترك القذافي ليبيا الغنية أشبه بدولة معوّزة من دول جارتها إفريقيا، مئات المليارات أهدرت لإرضاء نزوات العقيد وعائلته، بينما ترك جوبز شركته تحصد هذا العام فقط 108 مليارات دولار وكلمات ستظل أروع وأغنى من كل ما كتبه العقيد المخرف، فقد كتب جوبز قبل وفاته بأيام: "لا يهمني أن أكون أغنى رجل قدر ما يهمني أن أعود للفراش في المساء وأنا أشعر أنني قمت بشيء رائع".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram