علي النجارمالمو 2-2ليست بورجوا هي الفنانة الوحيدة, من بين الفنانين, التي, أو الذين عالجوا المثلث الأبدي(الأب والأم و وليدهما). لكني أعتقد أنها اختلفت عنهما في تناول هذه الموضوعة الوجودية التي فعلت في ذاتها أكثر مما فعلت بالآخرين, وللحد الذي رافقتها حتى سنواتها المتأخرة. وان كان الزمن المتأخر يعيد بواكيره, ضمنا عند الكبار. لكنه عند هذه الفنانة لا يستعاد بمسرة. بل بما حفره في العمق من الذات, انتهاكات لزمن كان من المفروض به أن يكون سويا. فان كانت موضوعة المثلث الأبدي قد تناولت ومنذ عهد المسيحية الأول ايقونيا.
فان الفنانة حطمت هذه الإيقونة نثارا, بحثا عما خبىء خلف طياتها الزمنية من خيانات وتسلط ومصادرة للإرادة. هي بمعنى ما وفي كل محاولاتها الفنية سلطت الضوء على استعادة الحقوق والانعتاق نحو فضاء الحرية. محنتها مع المثلث هذا إذا هي محنة الوجود التي استطاعت أن تستوعبها بعد وفاة والدتها واستبدالها دراسة الرياضيات مرضاة لسلطة الأب, إلى دراسة الفن الذي هو جزء من وجودها المستعاد. هي أيضا عانت من عدم إمكانية الحمل في سنوات زواجها الأول. لكنها وبالرغم من إنجابها بعد ذلك ولدين. إلا أن قلقها الوجودي لم يبرح ذاتها. فالمحن وحتى بعد أن تزول أسبابها, فإنها غالبا ما تخلف ندوبا. علاقة المثلث العائلي الملتبس ترك آثاره التي لا تمحى على العديد من أعمال بورجوا. ففي عملها(تكاليف المرأة), مثلا, تتمثل رؤيتها التشاؤمية بأوضح صورها. فهذه المنحوتة التلسيقية تظهر جذع امرأة بدون رأس, مقطوعة إحدى رجليها, ومسلط سكين مفتوح حقيقي من الأعلى على امتداد جسدها. جذع امرأة أخرى ملوي كضفيرة حبل جزئه العلوي ومعلق أمام المرآة وسط قفص مشبك. أو تمثالها(القديس سباستيان) الذي صنعته من الفايبر كلاس لامرأة بدون إطراف مشكوكة بالسهام. ثم التمثال البرونزي(قوس الهستريا) لرجل معلق من وسطه في حالة انحناء تشنجي لحد تماس ذكوريا جنسيا أصابع يديه بأقدامه. أو رسوماتها لامرأة حامل (مع وضوح رسم الجنين في رحمها), لكنها تحمل عضوا ذكوريا جنسيا. أو منحوتتها التلسيقية الأخرى(منسوجة الطفل) الذي يستقر فيها طفل كالدمية مغطى بنسيج شفاف, فوق جذع امرأة نصفي. من مادة بيضاء لدنة مرقعة. لقد نفذت الفنانة أعمالا كثيرة تناولت فيها إشكاليتها السيكولوجية الوجودية. وما هذه المنحوتات أو المجسمات إلا اضاءات من نماذجها الواضحة دلالاتها. أكيد أن الجنس, وهو في المحور من إشكالية الفنانة الباطنية. لما له من صلة بسيرة عائلتها التي هي جزء من سيرتها الشخصية, كما أسلفنا. فموضوعة الجنس, مثلما كانت شائكة بعض الشيء في بداية القرن العشرين(الفنانة من مواليد 19(25 ديسمبر 1911 ) فانه الآن, وفي الغرب عموما امتلك صوته الأدائي ولو بأشكال متفاوتة. ومنها الاداءات الجنسانية النسوية. لكن الفنانة ومنذ وقت مبكر بعض الشيء تناولته بحرية في منحوتاتها. ونحن نعرف بان أعمالها ليست فضائحية بقدر ما كونها محاولات لتفكيك صيغ القمع التقليدية. أو التعبير عن الدفين النفسي منها. فالنقيض غالبا ما يولد نقيضه. وللتستر دروبه الفضائحية أيضا. لكن العمل الفني ودوما يبتعد عن الفضائحية لصالح قيم الحرية الإنسانية( ما عدا المتهافت من الأعمال), وانعتاق الذات من مكبوتها. أو إعاقاتها النفسية. هذا الدرس هو الذي وعته الفنانة مبكرا. بل تبنته سلوكا فنيا طوال مسرتها الفنية الطويلة. أجسادها الملصوقة نسيجها, سواء منها المفردة أو الجمع, إما أن تكون سائبة, معلقة في الفضاء. وإما أن تكون مطروحة على الوسائد أو الوسائط, المنصات. أو تكون محصورة في وسط أو زوايا أقفاصها أو منشآتها القفصية. لكنها وبشكل عام لا تبتعد عن منحى كونها أجسادا ضالة تبحث عن الدفء غالبا, بعد مسير تها الاضطرارية, عبر دروب الحياة الملتوية. أجساد لينة هشة يبحث كل منها عن نصفه الآخر, أو عن المجموع, ولا يهمه جنسه. هذا ما توصلت إليه الفنانة قبل أن تغادرنا لدار حتفها. لقد أعلت من شأن دارالنشأة الأولى, وشخوص حياتها المتعددة وحيوات الآخرين, كما في أقنعتها عن مشوهي الحرب العالمية الثانية, وأنتجت لنا مشهدية إنسانية واسعة. متصارعة شخوصها, أكثر مما هي متصالحة. لكنها كسبت سلامتها الشخصية. لقد رحلت بورجوا في(31 مايو عام 2010) بعد أن اشتغلت على الكثير من المواد الأولية الصالحة منها للنحت وغيرالصالحة, أفكار هي الأخرى تتصالح مع الذات وتتضاد أو تتصادم معها اختيارا محضا. ,وتركت لنا إرثا تجسيديا, هو بعض من دروب أو دروس زوايا الحياة المخاتلة. لكن المعلّي من شأن مفاعيلها الثقافية الفنية.
المرأة العنكبوت.. لويس بورجوا وعلامات الطفولة الأولى
نشر في: 23 أكتوبر, 2011: 06:12 م