TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > تسييس العشائرية والتديّن الشعبي

تسييس العشائرية والتديّن الشعبي

نشر في: 23 أكتوبر, 2011: 07:27 م

ثامر الهيمصالهجرة من الريف إلى المدينة أخذت طابعاً نوعياً منذ تأسيس سدة الكوت في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، فقد  حصلت عملية ترييف كبيرة في المدن الرئيسة مثل بغداد والبصرة ليتشكل حزام فقر لكل منها.  وبعد عشرين عاماً تقريباً، أي عقب ثورة  14 تموز 1958،  تغيّرت التوازنات بين الشرائح الاجتماعية وكان ذلك أوضح في بغداد بعد الاعتراف الرسمي بسكان أحزمة الفقر بإنشاء مدن كاملة لهم .
والمرحلة الثانية بدأت بعد فشل قانون الإصلاح الزراعي في السنة نفسها ، فعلى اثر ذلك انخفض الإنتاج الزراعي والحيواني وتزايدت الهجرة مواكبةً لحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، حيث أصبح سكان الريف لا تتجاوز نسبتهم  20% من سكان البلاد . وصاحب ذلك انحسار في نفوذ المشايخ التقليدية في ضوء قانون الإصلاح الزراعي مع انتشار أفكار الاشتراكية ومحاولات إقامة الدولة ذات التوجه العلماني . وجاءت مرحلة الحروب والعقوبات الدولية لتكرس الحالة، أي الهجرة المتواصلة التي ازدادت بعد انتشار وتفشي حالة التصحر .  والعقوبات حجمت دور الدولة في مواصلة صيانة المبازل والأنهر ماعدا المصب العام الذي اتضح أن الاعتبارات السياسية كانت وراء إقامته، مما زاد من حالات الملوحة في كثير من الأراضي الزراعية، خصوصاً في منطقة الفرات الأوسط، مع مواصلة الحكومتين التركية والسورية بناء المزيد من السدود والخزانات بدون رد فعل عراقي سواء بإنشاء السدود والخزانات أو الاحتكام إلى المعاهدات الدولية  . وتكرس التصحر والهجرة من الريف إلى المدينة بعد عام 2003. وهنا لا بد من الإشارة أيضا إلى دخول الجانب الإيراني على الخط  بقطع مياه نهري كارون والوند وبقية الروافد،  فازداد الريف فقراً وتصاعدت وتيرة الهجرة واتخذت الأمية أبعاداً جديدة لتصل إلى نسبة غير اعتيادية مع التسرب من المدارس وأمية النساء . بفعل الفقر والجهل من جهة، وتراجع سلطة الدولة منذ عام 1991 لحد الآن من جهة أخرى،وقد برزت التضامنات المحلية لتملأ الفراغ ، حيث تم تعويض نفوذ الإقطاعي - الشيخ بالسياسي -  رجل الدين، فالأخير يملك نفوذاً سياسياً أكبر من الشيخ الجديد سليل الشيخ - الإقطاعي القديم. كما أن هذه القاعدة الاجتماعية والسياسية كانت حاضنة ملائمة للتوجهات الإيديولوجية والعقائدية باسم الإسلام السياسي (الطائفي)، وهو ما تجسد  على نحو واضح في الدستور باسم "المكونات". وبذلك أصبحت العشائرية والطائفية وجهي  العملة في الحياة الاجتماعية في المدن. ونقصد بشكل أدق أن العشائرية هي لهذا الغرض كانت بمثابة ممارسة للتضامنات ذات الطابع السياسي في المدينة وبذلك تشوهت كثيراً الأعراف العشائرية التقليدية لأنها تصدر عن جهات عشائرية بالاسم فقط وهي مقطوعة من جذرها الريفي ولذلك أخذت تستعين بالطائفة لكي يكون لها وجه سياسي مقبول اجتماعي في المدينة والعمل السياسي عموما.  أما الطائفية فهي أيضاً تمارس عملها السياسي بالاستناد إلى قاعدة اجتماعية لا تملك أن تغذيها بالتدين الشعبي العشائري فقط لان القاعدة الاجتماعية ما زالت وستبقى في الأفق المنظور ترزح تحت ثقل الجهل والأمية، فيما الفقر يتفاقم ويتكرس ليصل إلى عشرة ملايين جائع أغلبهم أميون .. أنها قاعدة مثالية للتدين الشعبي ذي القواعد العشائرية ليأخذ أبعاداً رادكالية غالباً   . تصاحب ذلك محاولات بائسة في التفتيش في الموروث الشعبي أو الطائفي عن بذور لديمقراطية مع نزعات نحو تضامنات جديدة تستمر في ذات المنهج ، وهذه العملية تواكبتها عملية سياسية أصبحت المحاصصة رمزاً لمصيرها وبوصلة لحركتها . قد يبدو المشهد سوداوياً، ولكن هناك ضوء في آخر النفق، وهذا الضوء هو على الأقل من الناحية الاقتصادية، فالريع الحالي للنفط بات عبئاً ثقيلاً ومصدراً للتضخم و(المرض الهولندي) بحيث يصبح موردنا هذا نتيجة فقط لتلبية الاستيراد وارتفاع الأسعار ونصبح دولة إعانات ونراوح في خانات الفقر والتمزق والتدخل الخارجي  . لذلك فان تنمية الريف وتصنعيه وإعادة  تشغيل المعامل وإقامة الحوض الجاف وتطوير السياحة الدينية بدون طائفيات، ستكون العامل الأساس في امتصاص البطالة ومكافحة الفقر ثم الجهل وفي انحسار دور الهويات الثانوية ومرتزقة السياسة والطائفية ومتعهديها الفاسدين  . ويجب أن تكون لبنات المعمار الديمقراطي العراقي خالية تماماً من أي لبنة تمت للطائفية السياسية والعشائرية السياسية ايضاً، فيما يتوجب ان تعود العشائرية الى أعراف العشيرة في الريف كنوع من التضامن الخلاق الايجابي، خصوصاً مع الجيران في المنطقة كما يوصي الإسلام الحنيف، والاحتكام إلى القوانين والشرائع السماوية، إذ أن الطائفية وصلت إلى طريق مسدود  خصوصاً في بلادنا، ولا تصلح  العشائرية قاعدة اجتماعية لها في كل الأحوال نظراً للتعددية في الموازئيك العراقي الذي رفض ويرفض وسيرفض أية هيمنة لأية جهة مهما تقنعت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram