بغداد / ماجد طوفان فات معظم السياسيين العراقيين، أن يفرقوا بين المفاهيم السياسية التي يتداولونها سواء في وسائل الإعلام أم في حواراتهم التي أصبح لها أول وليس لها آخر، وإزاء هذا الكم الهائل من الضخ اللامنظم للمعلومات وما ينساق في متنها من مجموعة من المصطلحات والمفاهيم التي اختلطت مع بعضها وأصبحت أكثـر ما تشبه الألغاز
ولعل التصريح الأخير للسيدة الناطقة باسم ائتلاف العراقية عن مبدأ التوازن جاء مرتبكا فالسياسي يختلف عن الوطني بشكل شاسع وربما لا يلتقيان إلا نادرا، "تبدأُ فكرة التوازن من أنّ مصالح الأكثريّة قد تتعَارضُ مع مصالح الأقليّات والأفراد بشكلٍ عام، وأنّهُ لا بد من تحقيق توازن دقيق ومستدام بينهما وتتمدد هذه الفكرة لتشملَ التوازن بيَن السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائِيّة، وبين المناطق والقبائِل والأعراق، وبين السلطات الدينيّة والدنيوِيّة"، والتوازن وفق هذا المفهوم أنتج الديمقراطية الليبرالية واللامركزية وأخيرا العلمانية، وهذه الثلاثية تمثل نظم الحكم في اغلب دول العالم المتحضرة، وتستثنى من ذلك الدول التي يحكمها رؤساء دكتاتوريون لا يفكرون إلا ببقائهم في السلطة، ويبدو أن الربيع العربي كسر هذه القاعدة وأطاح بما كان لا يمكن التفكير به، وإذا كان التوازن يبنى وفق الديمقراطية التوافقية (والتي هي نتاج عراقي بامتياز) فهل يمكن أن يكون هناك توازن وطني؟ وإذا كان التوازن سياسيا (وهذا غير ممكن لان اغلب السياسيين في بلدنا هم من الهواة) فأن البراغماتية ستكون هي الحاضر الرئيس والمهيمن، ولعل من البديهي القول إن البراغماتية تقف على النقيض من الوطني، يمكن للتوازنات السياسية أن تكون بين مواقف الدول، أما بين أبناء الوطن الواحد فهي تعبر عن السعي للحصول على أكثر ما يمكن من المكاسب. هل يمكن الجمع بين التوازن السياسي والوطني؟ وهل يمكن أن يكون السياسي ندا للوطني؟ وهل يمكن أن نضع الاثنين في خانة واحدة؟ اعتقد أن الوطنية كمفهوم أصبحت غير واضحة المعالم في العراق بعد وقبل عام 2003، وذلك بسبب التسقيط السياسي الذي مارسه الفرقاء السياسيون طوال فترة ثماني سنوات، وعدم الوضوح مؤداه الصراع على السلطة التي جعلت من السياسي يجتر المصطلحات ويخلط بعضها ببعض، وهذا يؤشر المستوى المتدني للسياسي العراقي، فنحن نمتلك سياسيين يكادون أن يكونوا أميين بامتياز، ورحم الله الصدفة التي جعلتهم يقفزون إلى سدة السلطة والسياسة في غفلة من الزمن. قالوا قديما إن السياسة فن، ومن ثم أصبحت علما يدرس في الأكاديميات، في حين تحولت في بلدنا إلى حكايات خانقة. في السياق نفسه صرح نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بكلام يدعو إلى الاستغراب والدهشة، وهنا اعني بالدهشة السلبية وليست الايجابية التي ربما يحدثها فعل سمته الواقعية السحرية كما يقال في فن الرواية، أما أن يقول النائب سلمان الجميلي إن العراق "مستعد للوساطة بين الشعوب العربية وحكامها لتعزيز الإصلاحات السياسية فيها"، وأضاف عن "استعداد العراق للقيام بدور الوساطة بين الشعوب العربية وحكامها لتعزيز الإصلاحات السياسية فيها". أما كان الأجدى والأجدر بالنائب أن يخصص جزءا من وقته للنظر لمشاكل بلده التي لها أول في حين أصبح آخرها بعيد المنال، ولنا أن نسأل متى كان الحكام العرب دورا للوساطة بين العراقيين الذين تفاقمت مشاكلهم ووصلت إلى استخدام السلاح فيما بينهم، والمفارقة أن العرب كانت لهم الأولوية في تأجيج الصراع الطائفي في العراق، ومد يد العون لتلك الجهة على حساب الأخرى، لا اعرف أين يعيش سياسيونا؟ هل هم معنا أم يتحدثون عن دولة أخرى؟، لم يكن العرب حكاما أو شعوبا وعلى مر التاريخ مع الشعب العراقي وإذا أردنا أن نذهب إلى التاريخ فان المقام سيطول، ولكننا نقول وبكل أمانة وحرص ابتعدوا عن أبراجكم العاجية وكونوا مع الشعب، إذا كنتم غير واقعيين فان الشعب على استعداد أن يعطيكم دروسا بالسياسية والواقعية اللاسحرية، ومما يمكن الإشارة إليه أن الشعب أصبح متقدما بوعيه السياسي والواقعي على نخبه وتلك طامة.. طامة كبرى.
هل يتفق التوازن السياسي والوطني؟

نشر في: 23 أكتوبر, 2011: 09:44 م









