علي حسين إحدى أبرز مشاكل القوى السياسية الحاكمة في العراق، أنها تدعي العمل ليل نهار لإقامة الدولة المدنية، بينما تقوض في تصرفاتها العملية كل الأركان الواجب الحفاظ عليها لمثل هذه الدولة المدنية، ولدي نموذج صارخ على هذه الازدواجية التي تعاني منها بعض النخب السياسية، فقد تابعت العديد من البيانات والشعارات التي أطلقها رئيس الوزراء حول التمسك بإقامة دولة المواطنة وبناء الدولة المدنية التي تستمد شرعيتها من القانون،
ونادى السيد المالكي أكثر من مرة بمشروع "دولة القانون" وهو المشروع الذي يدعو لإشاعة الحياة المدنية وتعزيز سلطة الدستور هذا المشروع هو الذي مكن قائمته من أن تحقق نجاحا كبيرا في العديد من المحافظات، لكن للأسف هذا الخطاب لم يدعم بخطوات فعلية فقد كنت مثل غيري من العراقيين أتابع أنشطة المالكي ومشاركاته في المناسبات السياسية والحزبية والتي خرجت منها بحصيلة تقول إن السيد المالكي لم يحضر مؤتمرا أو تجمعا للقوى الليبرالية أو اليسارية.. والتي كان آخرها المؤتمر الذي عقدته قبل ايام قوى التيار الديمقراطي في العراق هذا المؤتمر الذي حضره العديد من القوى السياسية الليبرالية غابت عنه للأسف الأحزاب الدينية والأهم غاب عنه صوت رئيس الوزراء الذي اختار في تلك اللحظة أن يتصرف كرئيس لحزب سياسي له توجهاته الفكرية والتي نحترمها لأنها حق مشروع لكل مواطن، لكننا كنا نتمنى أن يتصرف باعتباره رئيسا للوزراء، فتلك هي الصفة التي منحه من اجلها العراقيون أصواتهم، صفة رئيس لوزراء عراق متعدد الطوائف والثقافات والمشارب والأهواء.موقف رئيس الوزراء ومعه قوى سياسية أخرى من العديد من النشاطات التي تقوم بها القوى الليبرالية واليسارية يؤكد الناس أن معركتهم الرئيسية - إضافة بالطبع إلى دولة المواطنة والقانون - هي هوية العراق في المستقبل.للأسف الفجوة بين النخبة الليبرالية، والأحزاب الحاكمة تتسع والجفوة تزداد يوما بعد يوم.. وفي المقابل فإن تأييد الشارع لهذه للقوى الليبرالية لا يبدو كبيرا كما كان في العقود الماضية، والخوف هو أن الحلم بعراق ديمقراطي يتلاشى يوما بعد اخر.. فما هو الأفق؟!، طبعا الأحزاب الحاكمة تؤكد يوميا أن غالبية الشعب تؤيدها وأن النخبة التي تعارضها لا تمثل الشعب، بل تمثل نفسها أو تمثل قطاعات قليلة جدا، وبالتالي فإن اللعبة الديمقراطية التي ترفع لواءها القوى الليبرالية تحتم عليها الانصياع لرأي الشعب.مبدئيا من حق أي قوة سياسية موجودة على الساحة أن تعبر عن نفسها، تلك هي أصول الديمقراطية، وعلى الجميع أن يقبل بقواعد اللعبة ويحتكم إلى المواطنين وصناديق الانتخاب لحسم أي خلافات في الرؤى والأفكار والبرامج والسياسات.وغني عن القول أنه لا توجد حرية مفتوحة ومطلقة، كل حرية مقيدة بالقواعد التي يضعها الشعب أو تتفق عليها الغالبية. في ظرف كهذا الذي نعيشه، وفي وقت قدم العراقيين تضحيات كي يتخلصوا من النظام الديكتاتوري فلا يمكن بحال من الأحوال أن يتم اختطاف التغيير وتأميمه لمصلحة طرف سياسي واحد يقول إنه سيفصِّل الحكم على مقاسه وعلى الآخرين البحث عن خياطين في بلدان أخرى. الأحزاب الدينية ملأت الحياة السياسية وهذا حقها، وفازت في الانتخابات.. وهذا حقها أيضا، ولا يمكن أن نلوم أي قوة سياسية إذا أرادت التعبير عن نفسها سياسيا، لكن نلوم الحكومة التي كان يمكنها أن تسعى الاستيعاب القوى السياسية جميعا. وأعود للسؤال المهم: لماذا لا يحاول المالكي الاقتراب من القوى الليبرالية والبحث معها عن قواسم مشتركة، كي يعبر العراق مرحلة عنق الزجاجة.. أم أننا تجاوزنا ذلك وبدأنا رحلة اللاعودة للدولة المدنية؟!.
العمود الثامن :لماذا غاب رئيس الوزراء؟
نشر في: 23 أكتوبر, 2011: 09:53 م