سلوى جراح حين ظهرت صور مقتل القذافي على شاشات التلفزيون، وأثارت ما أثارته من نقاش وجدل وتحليل، تابعت الصور الكثيرة للقذافي حياً ذليلاً ثم مقتولاً، وتوالت اللقطات عبر سنين حياته وهو يتبختر امام عدسات الكاميرات بملابسه الملونة الغريبة، من الأزياء الافريقية الى البزات العسكرية المبتكرة، ومع تكرار لقطات موته استحضرت إلى ذهني ما قاله في مقابلة أُجريت معه قبل بضع سنوات من أنه "عميد الرؤساء العرب وملك ملوك أفريقيا".
هذه الكلمة بالذات توقفت عندها، ملك الملوك، كلمة علقت في الذاكرة من قصيدة من أربعة عشر بيتاً، "سوناتا" لشاعر الرومانسية العظيم بيرسي بيش شيللي (1792-1822). قصيدة تحمل عنوان "أوزيمندياس" وهو اسم آخر لفرعون مصر رمسيس الثاني أشهر ملوك الاسرة التاسعة عشرة. موضوع قصيدة الشاعر الذي تمرّد على كل اشكال السلطة والتسلط، هو النهاية المحتومة لكل الحكام مهما طال حكمهم وعلا شأنهم حتى لو كان أحدهم "ملك الملوك". القصيدة، نشرت في لندن عام 1818، وتعـد من اهم قصائد شيللي القصيرة، وتندرج ضمن قصائده التي كتبها ضمن منافساته الشعرية الشهيرة مع صديقه هوراس سميث(1779-1849) الذي كان رجل اعمال ناجحا واشتهر بكتابة تقليده لأدب كبار كتـّاب وشعراء عصره وبمنافساته الشعرية مع شيللي بشكل خاص. بحثت عن ترجمة لقصيدة "أوزاميندياس" فلم أجدها فقررت أن أقدم على ترجمتها بنفسي مع الحفاظ على تسلسل ابيات السوناتا الاربعة عشر كما هي، وأرجو أن أكون قد وفّقت في نقل المعنى.rnالتقيت مسافراً من أرض عتيقةقال لي: هناك ساقان ضخمتان من الحجر بلا جذعتقفان في الصحراء.. قربهما على الرمال وجه محطم نصف غارق في الرمال، عبوسه وتجاعيد شفته وسخرية الأوامر الباردةتدل على أن من نحته أحسنَ فهم تلك الرغباتالتي بقيت مطبوعة على هذه الأشياء التي تخلو من الحياةاليد التي سخرت منهم، والقلب الذي غذىوعلى قاعدة التمثال تظهر هذه الكلمات "اسمي أوزيمندياس ، ملك الملوك ،ابحثوا في مآثري أيها الابطال وليملأكم اليأسلا شيء قربه بقي. حول تآكلذلك النصب الهائل، عارية وبلا حدود تمتد الرمال الموحشة المستوية إلى البعيد.ملك الملوك الذي يتحدى كل الابطال أن ينجزوا مثل ما أنجز، لن ينجحوا، سيصيبهم اليأس من تحقيق ما حقق، ملك الملوك الذي حكم الارض والناس لم يبقَ منه سوى "الرمال الموحشة المستوية". شيللي الذي عُرف بتمرده على كل ما يعتبره الآخرون من ثوابت الحياة، يقول بلغته الشعرية الرفيعة، ليس هناك "ملك للملوك"، لأن الزمن كفيل بتغيير كل شيء. بيرسي شيللي، الذي مات غرقاً قبل أن يتم الثلاثين من عمره، يُعد هو واللورد بايرون (1788-1824) وجون كيتس (1795-1821) من أهم شعراء الرومانسية في تاريخ الأدب الإنكليزي، المدرسة التي حوّلت الآداب والفنون الى وسيلة للتعبير عن ذات المبدع بلا قيود. ولا شك أن شيللي كان أصدق مثال للشاعر الرومانسي، بتمرده وجرأته وقدرته الفذة على التعبير عن ذاته. شعره متميز برغم ان معظمه لم يشتهر إلا بعد وفاته. عشق القراءة بشكل مفرط منذ شبابه المبكر. يُروى عنه أنه حين التحق بمدرسة أيتون الشهيرة، التي يدرس فيها أبناء الأسر الغنية، كان زملاؤه يجرونه جراً بعيدا عن كتبه. وحين التحق بجامعة أوكسفورد عام 1810 ، كان يمضي أكثر من ست عشرة ساعة يومياً في القراءة وبالكاد يحضر المحاضرات. في تلك الفترة نشر اولى رواياته "القوطية" بعنوان "زازستروسي" أفرغ فيها على لسان بطلها الشرير، بعضاً مما في جعبته من نقـد لعالمه. ثم كتب روايته الثانية، رواية رعب أخرى، تحمل عنوان "سانت إرفينغ"، ومقالة مطولة بعنوان "ضرورة الإلحاد" أثارت ضجة كبرى مما جعل إدارة الجامعة تستدعيه للمثول أمام لجنة تحقيق وطلبت منه سحب مقاله لكنه رفض فتمّ طرده من جامعة اوكسفورد بعد سنة من التحاقه بها. بل إن تهمة الإلحاد طاردته طوال حياته القصيرة الحافلة. تزوج وهو لما يزل في التاسعة عشرة من العمر، بعد طرده من الجامعة، فتاة في السادسة عشرة أنجب منها ولداً، ليهجرها وهي حامل بطفله الثاني ويهرب إلى سويسرا مع ماري، إبنة السادسة عشرة، التي عُرفت فيما بعد بماري شيللي، بعد زواجه منها إثر وفاة زوجته الأولى غرقاً في بحيرة حديقة هايد بارك الشهيرة في لندن. ماري شيللي، ارتبط اسمها برواية "فرانكشتاين" الشهيرة التي يرى العديد من الباحثين أن شيللي نفسه شارك في كتابتها من منطلق تجاربه السابقة مع الرواية القوطية. برغم كل تمرد شيللي وتعلقه بالروايات القوطية، كان، مسالماً يكره العنف بكل أشكاله ويؤمن بالكفاح السلمي ويرفض حتى فكرة قتل الحيوانات أو صيدها ويفضّل أن يكون نباتياً. وقد تأثر بأفكاره المهاتما غاندي، وكثيراً ما تحدث عنه وأعاد شرح افكاره. ربطت بيرسي شيللي صداقة وطيدة باللورد بايرون الأشهر بين الشعراء الرومانسيين، واكبرهم سناً. وعملا معاً في العديد من التنظيمات الثقافية. وشاءت الأقدار له أن يموت شيللي غرقاً، في عاصفة هوجاء، على متن سفين
أوزيمندياس "ملك الملوك" بين بيرسي شيللي والقذافي
نشر في: 24 أكتوبر, 2011: 06:13 م