الكتاب: الإحساس بالنهاية "رواية" تأليف: جوليان بارنر ترجمة: ابتسام عبد الله إن كان هناك موضوع واحد يتكرر باستمرار في كافة أعمال جوليان بارنز بدءاً من روايته الأولى: "ببغاء فلوبير" في عام 1985، إلى "تأريخ العالم في 1/2 10 فصل" عام 1984، ثم "حب وإلى آخره" ومجموعته القصصية، "نبض" عام 2011، فهو موضوع مراوغة الحقيقة، فاعلية الذاكرة ونسبية المعرفة بكل أنواعها. وفي الوقت الذي تحدثت كتبه الأولى عن مقدرتنا المحدودة لفهم أناس آخرين والمكان،
فان روايته الأخيرة،" الإحساس بالنهاية" - التي كانت على القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرجال،وكان الفائز بها في الأسبوع الماضي- تواجه السبل التي يستكشف عبرها الناس ماضيهم في محاولة فحصه وترتيبه. وكما فعل معاصره، كازو ايشيغورو في روايته، "بقايا النهار"، استخدم بارنز نفس الأداة وهي الراوي غير المعتمد – وقد استعاره، كما يبدو كل من بارنز وايشيغورو من فورد مادوكس في كتابه الكلاسيكي، "الجندي الصالح".إن رواية "الإحساس بالنهاية"، مثل أعماله الروائية السابقة، حافلة بالأفكار الفلسفية. ومع ذلك فهو ينجح في خلق إثارة خلاقة، كما في القصص البوليسية. فإننا لا نريد أن نعرف كيف أعاد الراوي كتابة تاريخه، ونكتشف حقيقة ما حدث قبل 40 عاما – ولكننا نفهم أيضا لماذا احتاج إلى فعل ذلك. ونجد في الرواية، توني ويبلغ الـ 60 من عمره، قد اقنع نفسه انه "حصل على حالة من السلام والهدوء ايضاً"، مع انه لم يحقق أية مغامرة كبيرة حلم بها، وهو صغير، متطلعاً إلى حياة تشبه تلك التي قرأ عنها في الكتب التي أحبها – مؤكداً أحاسيس الخيبة والكتب التي أحس بها وزملاؤه الطلبة في العلاقات مع البنات.وعند هذا الحد، نجد ذكريات توني مباشرة وصريحة. وعندما يبدأ توني في التذكر، فانه يتطلع إلى صبي جديد في المدرسة ويدعى، "أدريان فين" الباحث عن الحقيقة. وادريان الذكي، القارئ مكامو، يذهب إلى جامعه كيمبردج، في حين نجد توني يلتحق بجامعة اقل شأنا. وفي تلك الجامعة يرتبط توني بعلاقة مع امرأة مبهمة تدعي فيرونيكا فورد، وبعد انتهاء تلك العلاقة بشكل مفاجئ مع فيرونيكا،يكتب أدريان لتوني، طالباً موافقته على الخروج مع فيرونيكا. ثم نجد فجأة أن أدريان قد انتحر وهو في الـ 22 من عمره، تاركاً خلفه ملاحظة انه آثر قراره الفلسفي "مفضّلاً الموت على الحياة". أما توني فقد أصبح مديراً لدائرة فنية، تزوج من امرأة حساسة تدعى مارغريت وأصبحت له ابنة تدعى سوزي. وبعد اثني عشر عاماً يحصل على الطلاق، ويقول انه يحسد أدريان لامتلاكه الشجاعة في قتل نفسه، في حين انه أي توني فضل الحياة المنظمة والأمان: "أنا أعيد تنظيف وتزيين شقتي كي تحافظ على قيمتها. لقد كتبت وصيتي، وأنجزت كافة المعاملات المالية الخاصة بابنتي وزوجها، أحفادي وزوجتي السابقة. إن هذه الحياة الكئيبة، كما يوحي بارنز، تهتز فجأة عندما يتسلم توني رسالة غامضة من شركة قانونية تعلمه أن امرأة تدعى سارة فورد (والدة فيرونيكا)، والتي التقاها في لقاء عابر قبل عدة عقود من الزمن، قد تركت له شيئاً في وصيتها: 500 باوند "ويوميات أدريان" التي كانت بحوزتها. وعندما يحاول الحصول على "يوميات ادريان"، تمانع فيرونيكا من تسليمها إياه، وتتحول تلك الأمور الى سلسلة من المقايضات مع فيرونيكا، والتي تتركه يستعيد مشاعره حولها، متسائلا عن صحة ما حصل في الأعوام السابقة. وهنا يتساءل القارئ: إلى أي حد ظللنا توني- ونفسه أيضا- بالسرد البسيط لقصة الحب ثلاثية الأضلاع بينه وبين فيرونيكا وادريان؟ هل انه أسبغ الرومانسية على انتحار أدريان أم ان ادريان نفسه استخدم الفلسفة لتبرير عمل كان حافزه اليأس؟ هل نلقي اللوم على فيرونيكا، كونها سبب انتحار أدريان. أم أنها بشكل ما الضحية؟ ومع إثارة هذه الأسئلة، نجد أن بارنز - باستعادة مشاهد من حياة توني- يقيّم حياته شخصيا، مثيرا نفس التساؤلات – الخاصة بالسن والزمن والأخلاق، وهي نفس الموضوعات التي أثارها في أعماله السابقة ومنها "نبض" و "مائدة الليمون" – 2004. وفي نهاية الرواية يبدو توني للقراء شخصية قصيرة النظر، عدائية، سلبية، لا يرتاح إليها القراء. إن عمل بارنز يتلخص في عبارة يقولها توني: "عندما نكون صغارا نخترع مستقبلا مغايرا لأنفسنا، وعندما نتقدم في السن، نخترع ماضياً مختلفا لآخرين"* فازت رواية، "الإحساس بالنهاية" بجائزة بوكر للرجال – عام 2011 وهي مبلغ 80 ألف دولار. ويبلغ جوليان بارنز الـ 65 من عمره، وقد رشح ثلاث مرات للجائزة ولم يفز بها، وعند استلامه الجائزة قال، " لم أكن أريد الذهاب إلى القبر دون حصولي عليها". عن الغارديان
الإحساس بالنهاية..جائزة بوكر لبارنز
نشر في: 24 أكتوبر, 2011: 07:33 م