إيمان محسن جاسموأخيراً رأى العالم كيف انتهى القذافي، الرجل الذي حمل معه أسراراً كثيرة، لكن لم يحمل معه تاريخاً مشرفاً كما حمله عمر المختار وغيره من ثوار ليبيا ضد الاحتلال الإيطالي . لم تختلف نهاية القذافي عن نهايات الطغاة في دول العالم وعبر مر التاريخ، ولكن هذه النهاية تجعلنا نستنتج بأن الطغاة لم يتعظوا من الذين سبقوهم، ولم يتعلموا الدرس جيداً وأولهم القذافي، الذي طالما كان يكرر في أحاديثه خاصة وفي مؤتمرات القمة العربية بأن الحكام العرب سينالون ما ناله صدام، هذه ليست نبوءة من القذافي بقدر ما إنها حقيقة ومصير ظل يلازم هذا الرجل منذ أن نقلت الفضائيات صور إعدام صدام التي أرعبت الطغاة في أرض العرب وجعلتهم يتحسسون بين الحين والآخر رقابهم التي ستنال ذات المصير في يوم ما.
ظلت هذه الصورة تؤرق القذافي وغيره من الحكام العرب وبالتالي لم يكن أمامه إلا أن يفصح في كل مناسبة عن هواجس تعتريه ومخاوف تسيطر عليه لكنه لم يتعظ من دروس الآخرين وما جرى لهم .القذافي رجل حكم ليبيا بلا دستور ولا قوانين ولا أنظمة، حكمها بقانون الثوار ولم يكن يدر بخلده أن يكون ويؤسس لدولة رغم موارد ليبيا الكثيرة بالقياس لنفوسها، حكمها بعقلية القبيلة ثم بعقلية العائلة، ثم بعقلية الفرد الذي لخص ليبيا أرضاً وشعباً وتاريخاً في شخصيته.هذا التكريس والشخصنة وتذويب هوية الدولة الحقيقية في شخص واحد لم يدركه القذافي، لم يسأل نفسه لماذا اعدم صدام ومن قبله شاوسيسكو في رومانيا وغيرهم من طغاة العالم، لم يسأل نفسه هذا السؤال مطلقاً، لأنه كان ينظر إليهم على أنهم قدوة له، بدليل أنه عمل تمثالاً لصدام وهذا ما يؤكد ما قلناه، رغم إنه قضى عقوداً طويلة في خصام علني مع نظام صدام، لكنه يتفق معه في قاسم مشترك واحد هو إنهما طغاة ليس إلا.ما حصل للقذافي وقصة مقتله وبأية طريقة كانت، لم تكن إلا صناعة قذافية بحتة، هو من سعى إليها، هو من صنعها وهو من أنتظرها وبالتالي لا يمكن أن يوجه اللوم لمجموعة الثوار الذين وجدوا أمامهم القذافي المطلوب رقم واحد للمجتمع الدولي، وجدوه في أنبوب تصريف المياه!! ربما يقول البعض بأن الخيارات كانت ضيقة أمام القذافي ولم يكن أمامه سوى أن يموت بهذه الطريقة، لكن هنالك أكثر من سيناريو كان ممكناً ومتاحاً أمام العقيد، أهم هذه السيناريوهات هو الاعتراف بسقوط النظام وعدم المكابرة وجر البلد لحرب أطول مما يجب أن تكون، كان يجب أن يقتدي بطغاة آخرين مثل حسني مبارك وبن علي، كانت أمامه أكثر من فرصة لأن ينال محكمة عادلة بإشراف دولي لا محكمة سريعة رغم عدالتها المفروغ منها إلا إنها في كل الأحوال أثارت أحاديث قد تتشعب في المستقبل .القذافي هو من أراد أن يحاكم من قبل الشعب،هو من مشى للمحكمة الشعبية بنفسه بعد أن رفض المثول أمام المحكمة الدولية التي في كل الأحوال لن تحكمه بالإعدام، مكابرة الرجل ومحاولته أن يلبس من جديد عباءة عمر المختار كانت السبب في نهايته المتوقعة هذه، رجل ظل يحكم 42 سنة بعقلية المراهقة السياسية، ماذا كان ينتظر من شعبه؟ هل كان ينتظر أن يعيدوه لخيمة باب العزيزية ليعيد على مسامعهم النظرية الثالثة وكتابه الأخضر الذي لم يعد أخضرَ بفضل الدماء التي سالت من أبناء الشعب الليبي، أم تراه كان يمهد لأن يؤسس دولة جديدة بعد أن فسل أربعة عقود من أن يبني دولة بمواصفات أفريقيا وليست مواصفات أوربا. الشعب الليبي هو من كتب الورقة الأخيرة والسطر الأخير من الكتاب الأخضر ، ليغلق وإلى الأبد ملف أسمه القذافي .
الورقة الأخيرة من الكتاب الأخضر
نشر في: 25 أكتوبر, 2011: 06:06 م