حازم مبيضين مع تواتر الأنباء عن اختلالات أمنية, تؤدي إلى مجازر يذهب ضحيتها عراقيون أبرياء, يبدو عصياً على الفهم إعلان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي, أن الوضع الأمني لن يتأثر بانسحاب ما تبقى من الجنود الاميركيين, ولا تأكيده قدرة قواته على الإمساك بزمام الأمور, وهي التي فشلت في فرض الأمن حتى بمساعدة الأميركيين, الذين يكشف المالكي اليوم أنه نادراً ما كان يطلب منهم المساعدة
في مجالي الاستخبارات والنقل, وأن القوات العراقية كانت تشرف على الأوضاع, منذ توقيع الاتفاقية الأمنية قبل ثلاثة أعوام, علماً بأن العودة للإحصاءات المحايدة, تؤكد أن بلاد الرافدين لم تعش يوماً دون حادثة تفجير أو عملية اختطاف أو اغتيال, أما القول بأنه لا يوجد من يفكر باختراق العراق, والإشارة إلى أن السياسة المعتمدة في بغداد لا تعطي فرصة لأي جهة, أن تخترق أجواء البلد , فإنه ليس أكثر من لغو يخلو من المضمون, كما يدرك ذلك كل العراقيين.يزاود على المالكي الناطق الرسمي باسم حكومته علي الدباغ, حين يعلن أن المهمة الأمنية هي مسؤولية العراقيين, ويجب أن ينجزوها بأنفسهم وهم يقبلون التحدي, ويرفضون بقاء أي من القوات الأجنبية في البلد, الذي لا يزال في مراحل من التحدي والخطر الأمني، ويبشرنا ببدء فصل جديد في العلاقة بين بغداد وواشنطن, ويشير أنه لا يمكن للعلاقة ان تبقى محصورة في العلاقة الامنية العسكرية, ونحن معه في أنه ليس هناك من يحب وجود قوة عسكرية أجنبية في بلاده، لكننا نضيف إلا إذا كانت المصلحة الوطنية تتطلب ذلك, ومع معرفتنا أن القوات العراقية أثبتت عدم قدرتها على حماية المواطنين, والدفاع عن حدود الوطن، فإننا كنا ننتظر مقاربة مختلفة تبتعد عن الشعاراتية, ولا تلتزم بمصالح الغير قبل مصلحة العراقيين. إدارة أوباما وهي تعلن قرار الانسحاب الكامل, تتحمل مسؤولية ما سيجري، وبغض النظر عن الأسباب, فإن الأمر في النهاية ضد مصالح العراق, وسيؤدي إلى نتائج وخيمة, في ظل عدم القضاء نهائياً على فلول حزب البعث, الذي يواصل أعضاؤه التسلل إلى مواقع السلطة المدنية والعسكرية, على أمل انتهاز أية فرصة للعودة إلى واجهة المسرح, وهو ما يبدو أن الحكومة العراقية تغمض عينيها عنه, مستندة إلى تحالف إقليمي غير مضمون, وهنا فإن الموقف الأميركي يبدو شديد الغرابة, فهو في آخر الأمر سيكون انتصاراً لإيران وللنظام السوري أيضاً, ومثيراً لمخاوف حقيقية من العودة بالبلاد إلى دائرة العنف الطائفي, أو تهيئة الظروف لانقلاب عسكري, سيكون في واحدة من اللحظات ضرورياً, لضبط الأمور ومنع التقسيم. وإذا كانت الحكومة العراقية تنام على حرير الطمأنينة, فإن المواطنين على غير هذا الحال, وهم يؤكدون أنهم سيكونون سعداء بهذا الانسحاب, اذا توفرت قوة لسد الفراغ الناجم عنه, لكنهم واثقون بعدم إمكان ذلك, وهم يتحسبون من عودة نشاط القاعدة الإرهابي, وتزايد نشاط الميليشيات, في ظل نظام سياسي غير مستقر, وتوتر طائفي, وقوات أمن ضعيفة, وإذا نحن على ثقة بأن معظم القادة العراقيين يرغبون في وجود للقوات الأميركية كضمانة ضد وقوع مشاكل طائفية, والحفاظ على السلام بين القوميات المختلفة, فان المؤسف أن هذه الرغبة تظل سرية, وبما لا يخدم العراق ولا العراقيين. نؤكد مع كل الوطنيين العراقيين, ضرورة ألا يبقى جندي أجنبي واحد في العراق بشكل دائم, لكننا نذكر أن الأوضاع في العراق معقدة ومثقلة بالأزمات, بسبب الصراعات بين الكتل السياسية والأحزاب والقوميات والمذاهب, ولسبب آخر لا يقل أهمية هو تدخل بعض دول الجوار, بطرق متعددة ووسائل مختلفة, وما يلقاه هذا التدخل من دعم ومساندة بعض القوى العراقية, الطامحة لاستغلاله لتقوية نفوذها, ولو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية, وهي بذلك تثبت ضبابية رؤيتها السياسية, مثلما تثبت عدم إدراكها للوضع العراقي الراهن, وإلى حد أن البعض يطالب بدعوة مدربين عسكريين من غير الأميركيين, وفهم العراقيين كاف, لمعرفة من هي الجهة المطلوب استقدام المدربين منها.
في الحدث :المالكي والأميركيون
نشر في: 25 أكتوبر, 2011: 07:20 م