فيصل عبد الله أبو ظبي 1 - 2 ما بدأه مهرجان أبو ظبي السينمائي قبل خمسة أعوام كرهان طموح، يستطيع اليوم أن يفاخر به. هذا على الأقل ما تقوله فقرات برنامج دورته الخامسة، لضيوفها والمهتم بالشأن السينمائي وللمشاهد المحلي في آن. ففي ظل الأزمة المالية الضاربة لمثيلاته،
وما جاءت به رياح تسونامي "الربيع العربي" من تغييرات كبيرة في سلم الأولويات، انعكست تأثيراتها بشكل واضح على ترنّح عدد من المهرجانات العريقة. يكون مهرجان أبو ظبي السينمائي قد كرس نفسه بقوة على روزنامة المهرجانات السينمائية العربية.التنوع هو العنوان العريض لهذه التظاهرة السينمائية الفتية. فقد اجتهد القائمون عليها باستقدام نتاجات سينمائية قاربت الـ 200 شريط سينمائي ومن أكثر من 35 بلداً، موزعة على فقرات "مسابقة الأفلام الروائية الطويلة" و "مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة" و "مسابقة الأفلام القصيرة" و "مسابقة آفاق جديدة" و "أفلام الإمارات". فضلاً عن عدد من الندوات منها، "تأثيرات الثورات العربية على حركة الإنتاج السينمائي" و "أبعد من هوليوود وبوليود: مستقبل السينما المستقلة في المنطقة". ولو أضفنا إلى ذلك الاحتفالية الخاصة بمئوية الحائز على جائزة نوبل المصري نجيب محفوظ، وكذلك الشاعر الهندي طاغور بمناسبة 150 على ولادته.ولعل الفضل لما سبق يعود إلى من أسندت إليهم مهمة البرمجة. خصوصاً تلك القادمة من المغرب، حيث أجتهد العراقي انتشال التميمي باستقطاب أهم نتاجات تلك السينما ذات النوعية الفنية العالية من جهة، وكان لصندوق "سند" الداعم لمرحلة "التطوير" و "مراحل الإنتاج النهائية" دوره المهم في هذا الشأن بجذب أسماء واشتغالات إلى هذه التظاهرة المحتفية بالسينما من جهة ثانية. ولربما كسرت هذه الدورة تقليداً، والمتمثل بدعوة النجوم الكبار لإضفاء صبغة احتفالية على حساب العمل الفني، كما جرت العادة في مهرجانات نظيرة.المغرب بعيون سينمائييهالأيام القليلة لحضور كاتب هذه السطور - الدورة الخامسة لمهرجان أبو ظبي السينمائي - حددت خياراته، ولربما قادته إلى نتاجات كانت العلامة الأبرز لهذه الدورة، حيث عقد للسينما المغربية شبه إجماع نقدي بأنها الأكثر استجابة لمتطلبات اللحظة السياسية الراهنة، وللصوت السينمائي المتجدد. أفلام مصنوعة برغبة فنية حقيقية في مقاربة واقع قاس يعيشه أبناء وبنات هذا البلد. أفلام لا تتخاتل وراء شعارات العرب الكبرى. أفلام مصنوعة بتأن ودربة. أفلام مكتوبة بلغة سينمائية خارجة على سياقات التقليد لتجارب عربية باهتة. ولئن التقت هذه الأفلام في أشياء، عدا مغربية صناعها وموضوعها، فإنها بحثت في هاجس الهجرة إلى الغرب، والنفوذ السياسي والمالي، وحالة التهميش والإحباط، والخلاص الفردي وانسداد الأفق أمام الأجيال الشابة.من هذا الفيض جاء شريط "أيادٍ خشنة" ( فقرة آفاق جديدة) للكاتب والمخرج السينمائي محمد العسلي، وليعود مرة ثانية إلى مدينته الدار البيضاء، أو "كازا" حسب اللهجة المغربية. من تلك المدينة صاغ عسلي نصه المهم "فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق". وعبر كوميديا سوداء تقتفي قصص ثلاثة شباب أطاح بهم حلم المدينة. لا وعود كبيرة. ولا من ضمانات بتحقيقها. في جديده لا يبتعد العسلي كثيراً عما بدأه، وعبر حبكة بدت تقليدية وأقرب الى تفاصيل روتينية. وقوامها شخصية حلاق يدعى مصطفى(أداء رائع للممثل محمد بسطاوي)، الأمي والأعزب حيث يتقاسم العيش مع والدته الضريرة في حارة شعبية، والقانع بدوره إلى درجة التضامن مع شرطه الاجتماعي والحياتي. وبحكم مهنته، يدخل مصطفى بيوت وزراء ورجال دولة، أغلبهم أما متقاعد أو حبيس البيت بسبب الشيخوخة، ما يؤهله إلى استثمار شبكة علاقاتهم بمؤسسات الدولة من أجل استصدار وثائق مزوّرة لقاء مبالغ يتقاسمها معهم. بالمقابل تستجير به جارته المعلمة زكية (أداء لافت للممثلة هدى ريحاني في أول أدوارها السينمائية)، حيث تطلب منه إستحصال وثائق تثبت فيها على أنها متزوجة ولها طفلان، من أجل اللحاق بمهاجر يعيش في إسبانيا لا تتبين معالمه.لكن حصول زكية على الوثائق لا يؤمن شروط الهجرة القاسية. تلك التي حددتها السفارة الإسبانية بان تكون المهاجرة/ العمالة أقرب إلى "البهيمة" و "فاقدة الأحاسيس"، مثلما تصرخ زكية بعد رفض طلبها إثر اكتشاف الفارق الهائل بين طراوة قدم رجليها ويديها الخشنة، ومنها استعار الشريط عنوانه. بين وعود الهجرة الى أوربا، كحلم يداعب مخيلة الملايين من شباب البلدان النامية بحياة أفضل، يمتحن المخرج خيارات المعلمة زكية. بدائلها بعد خيبة عدم السفر تضعها إزاء ما هو متوافر وواقعي. إزاء جارها الحلاق مصطفى السعيد بعزوبيته. إزاء رسالة حب صريحة كتبتها نيابة عنه لامرأة وهمية. إزاء الفارق بين المتعلم والأمي. إزاء مساومة، شرطها القبول بوضعه مثلما هو دون التخلي عن والدته الضريرة. إزاء مفاجئة لم تكن تتوقعها، حيث خط اسم محبوبته على مظروف رسالة. مرارات زكية أفضت في آخر الأم
حزمة عروض منوّعة، والسينما المغربية كانت العلامة الأبرز
نشر في: 26 أكتوبر, 2011: 05:24 م