حازم مبيضين بعد نجاح حزب النهضة الإسلامي في انتخابات الجمعية التأسيسية، وخروج تونس من نظام أوغل في العلمانية إلى نظام يتصدره الإسلام السياسي، وبعد إعلان رئيس المجلس الانتقالي الليبي عن التحول إلى دولة تلتزم الشريعة الإسلامية، في حين ينتظر الإخوان المسلمون في مصر دورهم للفوز في الانتخابات المقبلة وإدارة شؤون البلاد،
يبرز السؤال عن مصائر الأمة، التي يبدو أن الإسلام السياسي قفز في أكثر من قطر فيها إلى واجهة السلطة، مع بعض الاختلاف في الشعارات وأساليب العمل، لكن المهم هو أن ذلك يثير ذلك مخاوف المسيحيين على أمنهم واستقرارهم، رغم أنهم شاركوا بفعالية في الثورات ضد الأنظمة الدكتاتورية؟. في ليبيا ليس هناك مسيحيون، لكنها تعج بالليبراليين الذين يمثلهم محمود جبريل، القائم بأعمال رئيس الحكومة، والذي يبدو حتى اليوم أنه سيستبعد من مواقع المسؤولية في المرحلة المقبلة، وفي تونس أيضاً تخلو الساحة من أتباع السيد المسيح، ويتقدم الإسلام السياسي ببرنامج يتجاوز برامج حكومة أردوغان في انفتاحه على قوى المجتمع كافة، وهو اليوم يمد يديه إلى قوى اليسار للتحالف معه من أجل تونس الجديدة، لكن الحال غير ذلك في مصر التي تشهد تصعيداً بين مكوني المجتمع من المسلمين والأقباط، هو الأخطر على استقرار المنطقة برمتها، مع إصرار بعض أطرافه على استدراج التدخل الخارجي لحسم الأمور، أما في سوريا، حيث لم تحسم الأمور بعد، فإن المسيحيين في غالبيتهم العظمى، يقفون إلى جانب النظام، خشية سيطرة السلفيين والمتشددين على مقاليد الأمور في بلاد الشام. الخائفون من تصدر الإسلام السياسي للمشهد يخشون من غياب التعددية، في منطقة شهدت ولادة الديانة المسيحية، ويشيرون إلى الأحلام القومية في بدايات القرن الماضي، التي سعى لنقلها إلى عالم الواقع قادة فكر مسيحيين، وكان من نتائجها الانفصال عن دولة الخلافة التي سقطت، واستبدال تركيا لنظامها بالعلمانية المتشددة على يد أتاتورك، الذي يسعى أردوغان اليوم بخطى حثيثة وهادئة إلى محو تراثه، وكان مسيحيو المشرق يأملون باستعادة دورهم الماضي، بالعيش في ظل أنظمة علمانية يتساوى فيها المواطنون، بغض النظر عن الديانة التي يعتنقونها، وهم في هذا الإطار يسعون إلى الانفتاح والتكتل، لقناعتهم بأنهم ليسوا أعداداً مجردة، بقدر ما هم نوعية تنويرية، تؤمن بالسلام والتعايش والمحبة مع الجميع، ويؤمنون بأن الشعائر الدينية خاصة بالأشخاص، ولكن الدولة للجميع. فوز الإسلاميين بالقيادة لا يعني تعصب الجماهير بقدر ما يعني فشل الآخرين، الذين تستند قواعدهم إلى قوة الطبقة الوسطى في المدن، وعجزهم عن التواصل مع لغة غالبية الشعب من الفقراء، في حين أحسنت الأحزاب الإسلامية التعامل مع همومهم ومشاكلهم، وهم اعتمدوا الشعارات البسيطة، مع تأكيدهم إتباع تعاليم الإسلام الداعية إلى العدالة الاجتماعية، مضافاً إلى ذلك قدرتهم على التنظيم والتواصل مع الشرائح الفقيرة، وبما منحهم أفضلية سياسية تستند إلى خدمات اجتماعية خيرية أهملتها الدولة، وافتقرت إليها برامج الأحزاب المنافسة، وللمستقبل فان آفاق الديمقراطية العلمانية بعد الربيع العربي قد تتوقف على مدى استعداد الإسلاميين أنفسهم لتبنيها، على قاعدة ما يؤكده أردوغان بأن العلمانية ليست عدوة الدين، بل تعني وقوف الدولة على مسافة متساوية من كل الأديان، وقيامها بدور الحارس الأمين على معتقداتها كلها. يشكك العلمانيون ببرامج الأحزاب الإسلامية باعتبارها محاولة لإقامة دكتاتورية لاهوتية، غير أن الواقع يشير إلى أن الإسلاميين لا يخططون للاستئثار بالسلطة، لإدراكهم أن تحقيق تطلعات الفقراء إلى تحسين أوضاعهم وحل المشاكل الاقتصادية ليس بالمهمة السهلة، وأن الحرية التي أُتيحت لهم تطرح عليهم تحديًا يطالبهم بتحديد ما يهدفون إليه، ووضع برامج تفصيلية تتجاوز مجرد طرح شعار (الإسلام هو الحل)، وعندها ستتبدد مخاوف المسيحيين من التهميش أو انتقاص حقوقهم كمواطنين.
في الحدث :الإسلام السياسي ومخاوف المسيحيين
نشر في: 26 أكتوبر, 2011: 06:23 م