بغداد / منتصر الساعدي "تعتقد انك ستفلت مني هذه المرة ؟ كنت تحت مرمى رصاصاتي قبل أيام ولكني تركتك بمزاجي لأُذيقك العذاب، ولن ارتاح إلا أن أخضب يدي بدمك . انتظر فقد حانت نهايتك". الرسائل النصية على الهواتف النقالة باتت الوسيلة الجديدة للجماعات المسلحة للتهديد بالقتل،
بعد أن كانت التهديدات تأتي مكتوبة على ورقة صغيرة ترمى أمام البيت.وأن أكثر من يستخدم هذه الطريقة في التهديد هم منفذو العمليات الإرهابية التي تستهدف الصحفيين والناشطين السياسيين. وفي قصة مواطن عراقي عاد مؤخرا إلى البلاد وأنضم إلى إحدى المنظمات الاجتماعية ذات النشاطات الواسعة، وهو مهندس كان يعيش في كندا. وعلى أثر مشاركته بالعمل مع المنظمة الإنسانية تلقى أكثر من 100 رسالة نصية على الهاتف المحمول تتضمن تهديدات بلغة بذيئة وتهديدات بالقتل والاختطاف في حال أستمر بالعمل في هذه المنظمة . لا تنتهي كل الرسائل بتهديدات دون فعل، فأخريات تكون خواتهمن بالقتل! تلك هي الرسالة الثانية التي تصلني خلال فترة قصيرة، بذات الرقم المجهول. يقول احد الناشطين في العراق (م .س)، وذات الأسلوب التهديدي, يذكّره بماض يحاول تناسيه منذ رجوعه إلى البلاد مرة أخرى ، بعد أن هجرها بسبب ملاحقة الأمن والبعث الصدامي له خلال حقبة الثمانينيات . يكاد ينعزل عن كل شيء، يأوي أكثر الأحيان إلى شقته الصغيرة مع حلول المساء، بعد تناوله العشاء في المطعم الملاصق للعمارة، فلا يغادرها سوى في اليوم التالي، يتمشى في أرجاء المنطقة ساعة أو أكثر.. علاقاته محدودة إلى أقصى درجة، وكذلك أصحابه الذين يلتقي بهم عادة في إحدى الكافتريات العامة وسط المدينة، متجنبا التطرق إلى الأمور السياسية، مهما حاولوا سؤاله عن أحوال البلاد وتوقعاته لما يمكن أن يخبئه المستقبل من تغيرات، فهو الآن لا يهتم سوى بحضور معارض الرسم، والذهاب إلى النشاطات الثقافية. فكّر أن يحدّث بعض أصدقائه عن تلك الرسائل المسمومة، غير أن التردد منعه من الكشف عن توتره أمام أي منهم، ثم إن خبرته الطويلة عودته ألا يثق بأيٍ كان، وأن يتوقع الغدر من أقرب المقربين إليه، كما أنه لم يلاحظ على تصرفاتهم أو تعابير وجوههم أي تغيير مهما كان بسيطا، و لم يشأ إبلاغ السلطات عن تلك التهديدات، لئلا يثير حوله ضجة هو في غنى عنها، بالإضافة إلى أنه الأدرى بإمكانية اختراق أي شخصية في العراق واغتيالها (لو أرادوا ذلك)، لن تدوم على أيه حال أكثر من عدة أشهر.. هكذا يعتقد! لم يعد يجيب على أي مكالمة، أو يفتح الباب لأحد، سوى لحارس العمارة الذي صار يكلفه بشراء الأغراض له، بعد التأكد أن ليس برفقته أحد، خائفا من فكرة مفاجأة القاتل له، بمساعدة حارس العمارة، دون أن يمهله الوقت للوصول إلى مسدسه الذي عانى مشقة شرائه من احد المقربين، الذي بات لا يفارقه أبدا .. صار يفزع من أقل صوت يسمعه وأقل حركة يحس بها في الطرقة، فيهرع إلى الباب، ينظر من خلال الثقب الصغير، دون أن يرى أحدا في الخارج .. يتشنج، يصرخ بأنه لا يخشى أحدا، يتوعد الشخص المجهول بالقتل إن امتلك الشجاعة لمواجهته، رجلا لرجل، بدلا من تلك الوسائل الصبيانية التي لا تجدي نفعا سوى مع الجبناء..حاول مغالبة النوم ليال طوال، وعيناه مصوبتان نحو باب الشقة.. في النهاية يضنيه السهر، فيستسلم للنوم و الكوابيس، ثم لا يلبث أن يستيقظ مفزوعا، يتفحص المكان من حوله، يجلس على كرسيه الخشبي، وهو بوجه غير حليق، وثياب لم يغيرها منذ أيام، ينتابه شعور قوي بأنها الليلة الموعودة، وما عليه سوى انتظار ذلك المجهول ليتخلص من العذاب، فترك باب الشقة مفتوحاً.. ارتعشت يده على المسدس لما رآه مقبلا نحوه، بجسد هزيل وملامح تمتقع غضبا من الحياة، حاول السيطرة على كل خلجة في جسده، محاولاً التظاهر بالسخرية منه ومن تهديداته، بل أنه وجد نفسه يضحك، مع كل خطوة يدنوها منه، فيما راح إصبعه يضغط على الزناد أكثر .. يضحك عاليا، و الآخر يشاركه قهقهاته التي بدت كزمجرة مخيفة، أمدتهما بقوة غريبة لم يدركا مثلها يوما، ورغبة جامحة بالخلاص.. هرع جميع القاطنين في البناية نحو شقته لدى سماعهم صوت الطلق الناري، فوجدوه مكفيّاً على وجهه أمام المرآة الكبيرة في الصالة، غارقا في دمائه، و إلى جانبه مسدسه الذي لم تنطلق منه رصاصة . بعد انتشار ظاهرة التهديد بالرسائل النصية على الهاتف المحمول حاولت الجهات الأمنية في العراق، الاتفاق مع شركات الهواتف النقّالة لمتابعة ومراقبة مصدر هذه الرسائل والأشخاص المتورطين بها، والقبض عليهم فورا، إلا أن ممثلي الشركات يؤكدون صعوبة الأمر، مبينين أن أغلب الرسائل المرسلة لا يمكن تعقبها كونها مرسلة من أجهزة تستخدم لمرة واحدة فقط، أو استخدام شريحة (سيم كارت) تم شراؤها من السوق السوداء. وتؤكد الجهات الأمنية، صعوبة مراقبة الرسائل المرسلة بالهواتف النقالة والوصول إلى الأشخاص المتورطين في إرسالها. يبيّن احد المسؤولين الأمنيين " أصبح هذا الأمر منتشراً حاليا وقد تمكن الجميع من ملاحظته وهو يحدث الآن في جميع أنحاء العراق. ولكن يبدو أن الأمور تزداد سوءا فعند حدو
"لسانك طويل جداً.. حان الوقت لقطعه" .. رسائل تحمل الموت لصاحبها
نشر في: 28 أكتوبر, 2011: 08:04 م