عن : فورن افيرزأعلن أوباما الجمعة الماضية أن القوات المتبقية في العراق حاليا ستعود إلى الوطن لقضاء أعياد رأس السنة. هذا التصريح قد يكون إيفاء بالوعود التي أعطاها في حملته الانتخابية، إلا انه قد يهدد مستقبل بغداد ويقوض المصالح الأميركية في المنطقة .
يعاني العراق جمودا سياسيا وزيادة طفيفة في أعمال العنف، ومن اجل حماية البلد من الانهيار الخطير فقد كان على واشنطن أن تتواجد عسكريا في العراق، وفي الوقت نفسه تدفع بقادة بغداد باتجاه المصالحة الوطنية والمساءلة السياسية. في نيسان 2008، خاطب رايان كروكر – السفير الأميركي في العراق حينذاك – الكونغرس قائلا " في نهاية المطاف، فان كيفية مغادرتنا وما الذي سنتركه هو أكثر أهمية من كيفية قدومنا". هناك مبرر للقلق، فالعراق يواجه تحديات متعددة سياسية وأمنية ودبلوماسية وليس واضحا كيف سيواجه كل تلك التحديات. فبعد ثماني سنوات من إسقاط صدام حسين، بقي البلد هشا ومعقدا. بعد الضغط تمكنت الطبقة السياسية الجديدة في العراق من التوصل إلى حل وسط حول القضايا الجدلية مثل دور الإسلام في الحكومة وكيفية التصديق على الدستور. قاوم الشعب العراقي أسوأ أشكال الافتراس الإيراني عندما ساند حملة رئيس الوزراء نوري المالكي ضد المليشيات التابعة لإيران عام 2008. إلا أن تأسيس الدولة العراقية لا يزال ضحلا. فالانقسامات تتعمق داخل النخبة الحاكمة. لم يكن الوجود العسكري الأميركي ليضمن السلام والازدهار، إلا أن مغادرة القوات تزيد من مخاطر الفشل بسبب ابتعاد الدعم النفسي لنظام سياسي لا يزال هشا ومن خلال فتح الباب واسعا أمام المزيد من التدخل الأجنبي . السبب الظاهري للانسحاب الأميركي هو أن الطرفين لم يتمكنا من الاتفاق على النصوص القانونية الخاصة بالوجود العسكري الأميركي على ارض العراق- بالذات ما يتعلق منها بحصانة الجنود من الملاحقة القانونية العراقية -. في الحقيقة أن اوباما كان محقا في جعل قضية الحصانة عاملا عائقا أمام الاتفاق، لكن مع ذلك يمكن التغلب على هذا العائق. على أية حال، فان القضية برزت خلال المفاوضات التي قادت إلى انجاز الاتفاقية الأمنية عام 2008 بين واشنطن وبغداد بشكل ناجح. حينها عمل الطرفان على اتفاقية انطوت بالنتيجة على غموض إستراتيجي. حيث تمكن العراقيون من الادعاء بان هناك سيناريوهات معينة يمكن بموجبها أن يلتزم الجنود الاميركان بالقانون العراقي، إلا أن الجانب الأميركي ادعى أن هذه السيناريوهات لا يمكن تطبيقها. وكما نعرف، فان عام 2008 يختلف عن 2011 ، وان العراق هو الذي يتحمل أكثر اللوم في ذلك. لكن كحد أدنى، كان على الولايات المتحدة أن تبذل جهودا مضنية لرسم شكل البيئة السياسية لكي يتمكن القادة العراقيون من الإعلان عما يقوله كثيرون بالسر: و هو إبقاء عدد معين من الجنود الاميركان . الفريق المتواجد في السفارة الأميركية ببغداد والذي عمل بكد في هذه المفاوضات، لم يكن يتمكن من التوصل إلى هذه النتيجة بدون دعم واسع من واشنطن ، خاصة من الرئيس ونائبه . ولم يكن ليتمكن من السفر إلى بغداد لعدة أشهر. يبدو أن اوباما لم يلتق بالوفد العراقي خلال انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول . إن التوصل الى اتفاق على إبقاء عدد من القوات الأميركية في العراق كان يستلزم انضباطا أكثر من واشنطن. فعندما سرّب الجانب الأميركي نوايا البيت الأبيض في إبقاء ثلاثة آلاف مقاتل، فانه لم يترك للعراقيين الكثير من الحوافز لركوب مخاطرة سياسية كبيرة من اجل ضمان شيء تافه. أخيرا، فان التوصل إلى اتفاق كان يتطلب مرونة أكثر من واشنطن التي أصرت على موافقة البرلمان على حصانة الجنود. كل مكونات التفاوض هذه كانت قاصرة، مما أدى إلى الفشل الإستراتيجي . كذلك تترك واشنطن وراءها آفاقا غير متفائلة عن الشراكة الأميركية – العراقية المتينة. فبعد خمس أو عشر سنوات ستكون العلاقة أكثر سوءا، لأن المجموعات المعارضة للنفوذ الأميركي هي المسيطرة الآن ومن المحتمل أن تتعزز قوتها على المدى القريب. ثم أن العلاقة الثنائية غير العسكرية سيكون من الصعب بناؤها بدون وجود قوات على الأرض. إن إعلان اوباما أدى إلى تعقيد طموحات توسيع البصمة المدنية في العراق، حيث أن وزارة الخارجية تضع خططا لبناء قنصليات لكنها توقفت بسبب الوضع الأمني والكلفة. كما أن الولايات المتحدة تترك وراءها منطقة يتنامى فيها النفوذ الإيراني. فطهران في موقع هجوم ، كما ظهر من إعلانها لخطط التخصيب النووي، ودعمها للهجمات على القوات الأميركية في العراق، والتآمر لقتل السفير السعودي في واشنطن. إن خطة البيت الأبيض لمواجهة هذه الأعمال العدائية غير واضحة، إلا أن ما لا يمكن تصوره هو أن أية إستراتيجية لمخاطبة إيران سوف تتضمن سحب القوات كافة من العراق. ترجمة المدى
واشنطن قلقة من المستقبل وتصرّ: العملية السياسية لا تزال هشّة

نشر في: 28 أكتوبر, 2011: 08:07 م









